ثقافة وفنونمنوعات

تنمر .. قصة قصيرة

بقلم عادل رفاعي

 

طال انتظارنا على المقهى ، رآنى رفيقى أنظر إلى ساعتى ، قال متثائبا : عادتنا ولا هنشتريها ؟ من فى بلدنا يحافظ على مواعيده ؟
من باب المقهى ظهر وافد جديد ، لاحظت حرصه على السلام على كل الجالسين بحرارة ، بدأ بالجالسين على الرصيف ثم دلف إلى الداخل بادئا بنا وعلى وجهه ابتسامة عريضة ثم راح يسلم على بقية الموجودين ، صاح شحتة القهوجي مرحبا :
مرحبا أستاذ جميل .. يادى النور
مد جميل يده مسلما ثم جلس إلى طاولة خلفنا جهة اليمين
أثار فضولى فأخذت أتأمله من طرف خفى وهو يمسح نظارته ، شعره أسود كثيف عدا بعض شعرات بيضاء فى فوديه ، قدرت أنه قد تجاوز منتصف الثلاثينات .
أخيرا حضر صديقنا سيد الملقب بالصعيدى تمييزا له عن سيدين آخرين فى شلتنا ، تلاقت نظراته مع جميل الذى قام مرحبا به بحرارة :
أهلا يا بو السيد .. من زمان حارمنا من رؤياك
بادله سيد عبارات الترحيب بمبالغة بدت مفتعلة ثم جلس ، لم يكن فى حاجة أن نسأله بعد أن رأى الدهشة فى أعيننا ، قال باقتضاب وبصوت خفيض :
كان فى مستشفى أمراض نفسية حتى وقت قريب
لم يرو كلامه ظمأنا فواصل حديثه :
جارنا منذ الطفولة .. فى غاية الطيبة ..عفوى تلقائى لا يعرف الخبث والكذب .. من سوء حظه للأسف !!
بعد رشفة من قهوته نظر إلى وجهينا ضاحكا :
واضح أنه أثار فضولكما .. باختصار وقع فى حب زميلة فى العمل
ولاحظ بعض زملائه فاتخذوه مادة للسخرية .. راح كل منهم يقنعه أنها تهتم به اهتماما خاصا .. لاحظ تحيتها لك .. والابتسامة التى تخصك بها دون باقى الزملاء .. ألم تر خجلها حين تنظر إلى الأرض إن تلاقت نظراتكما .. وحين غاب لمرضه عدة أيام أدعوا إنها كانت تسأل عنه يوميا .. كان يلاحظ أنها تعامله كما تعامل بقية الزملاء ولا تعطيه أى فرصة لحديث خاص بينهما فيقنعه أحدهم أنها بنت محترمة ومن عائلة محافظة لا يمكن أن تبدى اهتمامها به أمام الزملاء وإن عليه المبادرة بمصارحتها .. ظل مترددا لفترة طويلة حتى جاءت الفتاة إلى العمل ذات صباح وفى اصبعها دبلة الخطوبة .
وكانت الطامة الكبرى .. أصابته صدمة شديدة و لم يسكت الخبثاء بل أجابوه على تساؤلاته ببساطة أن ذلك بسبب تردده بلا داع .. معلش يا سيدى ربنا مش رايد .. كل شئ نصيب .. إلخ
كان يحكى لى وهو محطم .. لا أفهم يا استاذ سيد .. كانت تسأل على يوميا وأنا غائب .. كانت تحرص على تحيتى كل صباح وتبتسم لى دون الآخرين .. هل كان كل هذا كذبا وتظاهرا؟ لا أصدق .. لماذا ؟ لماذا .. إلخ
كنت أشفق عليه وأحاول التخفيف عنه دون فائدة .
وهنا صاح الأستاذ جميل طالبا من شحتة القهوجي علبة كليوباترا من كشك السجائر القريب وأضاف بلهجة معتذرة :
معلش يا شحتة ها تعبك
ورد شحتة باسما : أنت تأمر يا أستاذ جميل .
فتح جميل العلبة وأخذ يوزع السجائر على الجالسين وحين جاء دورنا أخذ سيد سيجارته ثم نظر إلينا بقوة حتى لا نرفض السجائر فأخذناها متظاهرين بالامتنان الشديد .
وقف تاكسى أمام المقهى فقابل جميل الوافدين بسيجارة لكل منهما ، كانت السيارة قد تحركت فجرى وراءها جميل مناديا السائق : انتظر يا أسطى .. يا أسطى !
توقفت السيارة فاقبل جميل على السائق لاهثا وهو يمد يده بآخر سيجارة فى العلبة إلى السائق قائلا :
سيجارتك يا أسطى
رفع السائق يده إلى جبينه بالتحية وانطلق بالسيارة والسيجارة فى فمه
بينما انشغل جميل بتطبيق العلبة الفارغة ثم ألقاها على الرصيف .
تمت .. بقلمى : عادل رفاعى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى