“الانتقام قادم”؟.. كيف ترد “قسد” بعد التصعيد الجوي وتلويح إردوغان؟
ما المتوقع بعد التصعيد التركي؟
بلغ التصعيد على طرفي الحدود السورية-التركية “ذروته”، الاثنين، وبات الأعنف من نوعه منذ العملية التركية عام 2019.
وفي وقت دخل الهجوم التركي الجديد يومه الثاني، شهدت ولايتان تركيتان حدوديتان 3 حوادث قصف بقذائف وصواريخ، في أقل من 24 ساعة، أسفرت عن ضحايا مدنيين.
وتستهدف العملية التركية مواقع وأهدافا تابعة لـ”وحدات حماية الشعب” التي تتهمها أنقرة بالارتباط بـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على قوائم الإرهاب. وترفض وحدات حماية الشعب هذه الاتهامات بشكل قاطع.
ويأتي الهجوم التركي ردا على هجوم شارع الاستقلال في مدينة إسطنبول، الذي راح ضحيته 6 مدنيين وأكثر من 81 مصابا، حيث اتهمت أنقرة حزب والقوات الكردية في سوريا بالوقوف وراء الهجوم، الأمر الذي نفاه الطرفان.
ومنذ ليلة الأحد استهدفت الطائرات الحربية التركية من طراز “إف 16” أكثر من 89 هدفا في عين العرب وتل رفعت والمالكية وعين عيسى في سوريا، وأهدافا أخرى في شمالي العراق.
وبينما استمرت هذه الضربات، ورافقتها أخرى مدفعية، تعرضت ولاية كلس لقصف بقذائف صاروخية، مصدره منطقة “تل رفعت” عصر الأحد، مما أسفر عن إصابة عناصر أمن أتراك.
وبعد هذه الحادثة تعرضت بلدة قرقميش لحادثي قصف بالصواريخ، أسفرت الثانية منها ظهر الاثنين عن مقتل 3 مدنيين، بينهم مدّرس وطفل، وإصابة آخرين، وفق والي غازي عنتاب، داوود غل ووزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، وقال المسؤولان إنها أطلقت من قبل “وحدات حماية الشعب” في مدينة كوباني.
ولم يصدر أي تعليق من جانب “الوحدات” الكردية بخصوص قصف الولايتين، فيما كان الناطق باسم “قوات سوريا الديمقراطية”، فرهاد شامي، غرّد عبر “تويتر” الأحد، مهددا بعبارة “الانتقام قادم..”. وتعتبر كل من تركيا والولايات المتحدة “حزب العمال الكردستاني” منظمة إرهابية.
لكن البلدين يختلفان على مكانة الجناح العسكري لـ”وحدات حماية الشعب”، العماد العسكري لقسد حليفة الولايات المتحدة في محاربة داعش في سوريا، بينما تعتبرها أنقرة الامتداد السوري لـ”حزب العمال”.
“تلويح بعمل بري”
ولم تحدد وزارة الدفاع التركية حتى الآن المسار الزمني المخصص لعمليتها الجديدة، فيما ألمح الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان في أولى تصريحاته حول هذا الموضوع إلى إمكانية شن هجوم بري.
وقال إردوغان للصحفيين بينما كان عائدا من قطر: “من غير الوارد أن تقتصر عملية (المخلب السيف) على العملية الجوية، وسنتخذ القرار والخطوة بشأن حجم القوات البرية التي يجب أن تنضم للعملية”.
وأضاف أن بلاده “لم تجر أي محادثات مع السيد بايدن أو السيد بوتين بخصوص هذه العملية”، مضيفا: “لقد أقمنا بالفعل علاقاتنا الدبلوماسية مع الدول التي لها وجود هنا، وقد اتخذنا خطواتنا ونتخذها وفقا لذلك”.
ولطالما هددت تركيا، خلال الأشهر الماضية، بشن هجوم على مواقع انتشار الوحدات على طول الحدود الشمالية من سوريا، خاصة في مدينة عين العرب (كوباني).
وبلغت هذه التهديدات أوجها في شهر أغسطس الماضي. وحينها شنت تركيا سلسلة ضربات جوية، أسفرت عن قتلى من “قسد” وقوات النظام السوري، والتي انتشرت في المنطقة هناك، بموجب تفاهمات.
وكان منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، بريت ماكغورك، دعا إلى التوقف عن زعزعة الاستقرار في شمالي سوريا. وردا على سؤال بشأن الغارات الجوية التركية على مواقع لـ”قسد” على هامش مؤتمر حوار المنامة، وصف ماكغورك الوضع في شمال سوريا بـ “الصعب”.
وأكد على التزام الولايات المتحدة وحرصها لإبقاء الحدود السورية التركية آمنة، مشيرا إلى أن واشنطن ليس لديها أي معلومات عن الجهة التي نفذت هجوم إسطنبول الأخير.
في المقابل، لم يصدر أي تعليق من جانب موسكو، في حين قال إردوغان، في تصريحاته الاثنين، إن “روسيا لم تلتزم باتفاقية سوتشي، بشأن إخراج الإرهابيين من المنطقة، وأبلغناها أننا لن نصمت على ذلك”.
وبعد ساعة من بدء العملية التركية، اعتبر القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، أن القصف التركي يهدد المنطقة بأسرها، وأنه لا يصب في مصلحة أي طرف، مشيرا إلى بذل جهود في سبيل تجنب وقوع كارثة كبرى، وفق قوله.
وأضاف أن الهجمات لن تقتصر على مناطق سيطرة قواته، داعيا العائلات للبقاء في المنازل والالتزام بتوجيهات القوى الأمنية.
ووفق إحصائيات “المرصد السوري لحقوق الإنسان” بلغت حصيلة القتلى في شمال سوريا إلى الآن 35 قتيلا، ولا تزال مرشحة للارتفاع لوجود نحو 35 جريحا ومفقودا.
وتوزع القتلى كما يلي: 13 من التشكيلات المسلحة العاملة ضمن مناطق “الإدارة الذاتية”، مراسل وكالة أنباء، 16 من قوات النظام السوري، 5 من القوات الكردية، بقصف جوي تركي على محور بيلونة شمال محافظة حلب.
ما المتوقع؟
في 22 من أكتوبر 2019، وبعد مباحثات طويلة بين الرئيسين الروسي والتركي، توقفت العملية التركية التي أطلقت عليها أنقرة يومها “نبع السلام”، واتفق الجانبان على سحب كل “وحدات حماية الشعب” من الشريط الحدودي لسوريا بشكل كامل، بعمق 30 كيلومترا، وخلال 150 ساعة، إضافة إلى سحب أسلحتها من منبج وتل رفعت.
وأفسح الاتفاق المجال أمام قوات النظام السوري للدخول إلى مناطق شرق الفرات للمرة الأولى منذ عام 2012، ضمن تفاهمات مع “قسد”، وبالتزامن مع بدء الجيش الأميركي لإخلاء بعض المواقع في سوريا، حينذاك.
وإضافة إلى تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة غرب وشرق منطقة عملية “نبع السلام” بعمق عشرة كيلومترات، باستثناء مدينة القامشلي.
وعقب الإعلان عن الاتفاق وتفاصيله، لطالما قالت أنقرة إن “الوحدات” لم تنسحب من المنطقة المتفق عليها (30 كيلومترا)، مهددة بشن هجوم بري من أجل حماية الأمن القومي.
وبينما بقيت هذه الإشكالية قائمة جاء هجوم إسطنبول، وتحميل “وحدات حماية الشعب” مسؤوليته ليعيد التصعيد إلى المشهد من جديد، إذ كشفت تحقيقات بعد اعتقال المتهمة بتنفيذه “أحلام البشير” أن “أمر التفجير جاء من كوباني ومن منبج أيضا”، حسب كلمات وزير الداخلية، سليمان صويلو، وهو ما نفته “قسد” بشكل قاطع.
كاتب العمود في صحيفة “صباح” المقربة من الحكومة، حسن بصري يالتشين، ذكر أن العمليات التركية هي بالفعل عمليات طويلة الأجل وذات إطار واسع”، في إشارة منه إلى أن النسخة السورية منها ستستمر.
وأضاف في مقالة الاثنين: “هذه العمليات مستمرة منذ 3 سنوات، وهي تشمل جميع الحدود الجنوبية لتركيا. تقوم بأسماء خاصة ومختلفة. نحن نتحدث عن نهج مؤسسي”.
بدوره يقول الصحفي الباحث التركي، ليفنت كمال، لموقع “الحرة”، إنه “وعلى الرغم من أن العملية كانت واسعة النطاق، إلا أنها كانت محدودة في الوقت المناسب”.
“في هذا الصدد، كانت عملية رد فعل. لكن الأهداف في عملية رد الفعل هذه كانت أهدافا قيّمة تم تحديدها نتيجة لأنشطة وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني التي تمت متابعتها لفترة طويلة”.
ويعتقد كمال أن “العملية ستستمر بشكل متقطع في الأيام المقبلة رغم تراجع حدتها. من الآن فصاعدا. سيتم استخدام الطائرات من دون طيار بشكل أكثر فعالية”.
واعتبر الباحث التركي أن التقارير الواردة عن دخول الطائرات الحربية التركية الأجواء السورية التي تسيطر عليها روسيا خلال العمليات الجوية التي نفذت ليلة الأحد “غير صحيحة”، وأن “جميع الأهداف كانت بالقرب من المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا، وقُصفت على ارتفاعات عالية من الأجواء التركية”.
وذلك ما أشارت إليه “الدفاع التركية” بقولها إن “الطائرات من دون طيار فقط هي التي تقوم بمهام الاستهداف والكشف عن الأهداف في المجال الجوي السوري الذي تسيطر عليه روسيا”.
ولذلك يرى كمال أن “قواعد الاشتباك على الحدود السورية-التركية لم تتغير”.
في المقابل، يقول الأكاديمي والباحث السياسي، المقيم في القامشلي، فريد سعدون، إن “الرئيس التركي يحاول فرض معركة يخرج في نهايتها بمكتسبات. أي مكتسبات على أرض الواقع تحتاج إلى قصف جوي هائل”، وفق تعبيره.
ويضيف سعدون لموقع “الحرة”: “الاستخدام المفرط للطيران الحربي يأتي بسبب عدم السماح بالاجتياح البري”. ومع ذلك يتوقع الأكاديمي أن يكون هناك “فرض وقف إطلاق نار من قبل أميركا وروسيا، لغياب أي مصلحة في أن تقع حرب طويلة الأمد، تهدد الاستقرار النسبي”.
وتحدث سعدون عن “خيارات قد تتخذها قسد”، مشيرا: “إذا حوصرت وتم إحراجها لدرجة تهديد وجودها ستحوّل العملية الجراحية التركية إلى عملية عسكرية مفتوحة في جميع المناطق”.
واللافت أن الضربات الجوية التركية ضمن الهجوم التركي تستهدف مناطق في أقصى غربي البلاد وصولا إلى أقصى الشمال الشرقي.
وفي تل رفعت مثلا تنتشر قوات روسية، وأخرى لقوات النظام السوري، فضلا عن “وحدات حماية الشعب” الكردية وميليشيات إيرانية. وكذلك الأمر في منبج وكوباني.
أما في المالكية ومناطق أخرى في شمال شرقي البلاد فتشهد الساحة هناك انتشارا لقوات أمريكية ضمن التحالف الدولي لقتال تنظيم “داعش”.