الدولار يضرب اقتصادات الدول النامية.. وهكذا تستطيع النجاة
ضرب الدولار القوي، الناجم عن رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة، اقتصادات دول العالم وخصوصاً الدول النامية وهددها بانخفاض النمو وحدوث الركود، ما دفع برنامج الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأنكتاد” لدق ناقوس الخطر والدعوة إلى إجراء تغييرات عاجلة في السياسات العالمية الحالية لعكس هذا المسار.
وفيما كشف تقرير حديث لـ “الأنكتاد” عن أن البلدان النامية هي الأكثر تأثراً من جراء رفع بعض البنوك المركزية الرائدة لأسعار الفائدة، يرى خبراء اقتصاد أن هذه الدول يمكن أن تنجو من أزمة الركود في حال اتخاد جملة من الإجراءات والتدابير وفق مسارات تتعلق بالعرض والطلب وبالسياسات المالية والنقدية الاستثمارية والاجتماعية.
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عماد المصبح: “يخيم شبح الركود والكساد على المشهد الاقتصادي العالمي نتيجة أربعة عوامل هي، التغيرات في السياسة النقدية الأميركية لمرحلة ما بعد كورونا، والتغيرات في أسعار الطاقة التي نجمت عن الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية الرئيسة نتيجة هذه الحرب، إلى جانب الجفاف الذي ضرب النصف الشمالي من الكرة الأرضية لا سيما في أوروبا والذي خلف دماراً اقتصادياً رهيباً على مختلف الجبهات وفي مقدمتها قطاع الإنتاج الزراعي، والصناعات المرافقة، وقطاع الإمداد والتموين”.
وبعيداً عن هذه العوامل الأربعة، يؤكد الدكتور المصبح لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن البلدان منخفضة الدخل تعاني ظروفاً هيكلية، أهمها تخلف البنى الإنتاجية في كل القطاعات، مشيراً إلى ضرورة اتباع هذه الدول تدابير وفق مسارين لتحقيق التنمية وتجاوز أزمة الركود وشبح الكساد.
ويشرح الدكتور المصبح أن المسار قصير الأجل يُعنى بتبني سياسات تخفف من الآثار التي نجمت عن عوامل غير محلية، وعلى دول العالم لا سيما البنك الدولي والاتحاد الأوروبي تحمل المسؤولية ومد يد المساعدة لهذه الدول، ومن أبرز السياسات التي يجب اتباعها زيادة الإنفاق الحكومي الموجه لقطاعات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية وتخفيض معدلات الضرائب على أرباح الشركات التي تلتزم بعدم تسريح العمالة.
ويضيف الخبير الاقتصادي الدكتور عماد المصبح: “أما المسار طويل الأجل فهو المسار الأعقد، حيث يجب على الدول منخفضة الدخل تبني سياسة استثمارية تنافسية جاذبة للرساميل لا سيما في قطاع الصناعة التحويلية، وكذلك اتباع سياسة نقدية تحابي النمو الاقتصادي أولاً وسعر الصرف ثانياً بالإضافة إلى نهج سياسة مالية ذات طابع اجتماعي والتركيز الشديد على قطاع التعليم”.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي أن الإجراءات التي تمكّن الدول النامية من النجاة وتجنب الركود مرتبطة أيضاً بجانبين يتعلقان بالطلب والعرض، لافتاً إلى أن جانب الطلب، يتضمن ضرورة استمرار السياسة النقدية في عملية استهداف استعادة استقرار المستوى العام للأسعار في الزمن المناسب، وإعطاء السياسة المالية الأولوية للقدرة على تحمل الديون في الأجل المتوسط، على أن توفر السياسة المالية الدعم الذي يستهدف الفئات الضعيفة والتي تتصف بالميل المرتفع للاستهلاك مما يزيد الطلب الكلي.
أما في ما يتعلق بجانب العرض، فيؤكد الدكتور الشناوي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” ضرورة اتباع إجراءات وتدابير لتخفيف القيود التي تواجه أسواق العمل، وأسواق الطاقة، وضرورة استعداد صانعي السياسة الاقتصادية لإدارة التداعيات المتوقعة والناجمة عن الانسحاب المتزامن عالمياً من السياسات الداعمة للنمو الاقتصادي.
وبالنسبة لقضية الديون، يجب أن تكون الدول مستعدة لاستخدام مجموعة متكاملة من الأدوات والتي تتراوح ما بين تمديد آجال استحقاق الديون، واستخدام مرونة أسعار الصرف للتدخلات، وإجراءات إدارة تدفقات رؤوس الأموال، بالإضافة إلى إعطاء أولوية للإنفاق بشكل جيد على شبكات الأمان الاجتماعي والصحة والتعليم، بحيث يصل الإنفاق الى الفئات الأكثر ضعفاً وفقاً للخبير الاقتصادي الشناوي.
ويلخص الشناوي أربعة إجراءات لإنهاء الركود هي: تحفيز البنوك المركزية المستهلكين على الإنفاق عن طريق تخفيض سعر الفائدة قصيرة الأجل ما يجعل تكلفة الاقتراض أقل، وبالتالي تنخفض تكلفة الشراء، وتطبيق سياسات التخفيض الضريبي لمساعدة المستهلكين بغرض الحد من البطالة، وإطلاق برامج البنية التحتية والمتمثلة في بناء الطرق والجسور والسكك الحديدية أو ما يسمى برامج الأشغال العامة لتحفيز الطلب، إلى جانب التنسيق بين السياستين النقدية والمالية من أجل دعم النمو مع تحديد دور كل سياسة خاصة في ما يتعلق باستهداف التضخم وتنشيط الاستثمار.