الأعسر
بقلم / محموددرويش
اليوم هو اليوم العالمي للأعسر.
والأعسر هو من يستخدم يده اليسرى في الأكل والكتابة.
وأنا أعسر، وهذا اليوم يومي، وبطبعي لا أحب الإحتفال ، لكنني سأتحدث حديثًا شخصيًّا عن معنى أن تكون أعسر.
للأمر جانب محزن، وآخر مفرح، وهذا يهوّن الأمر قليلاً.
المحزن، فقد وعيت على الدنيا والكل يحذرني من مغبة الأكل باليد اليسرى .. كان الشيطان تهديدًا كافيًا لطفل صغير؛ فالشيطان شريك مع من يأكلون باليد اليسرى.
النصائح تترى من الكل؛ من الأهل والأقارب والمعارف والمدرسين، ولم أكن أملك منطقًا أدافع به عن هذا التصرف اللا إرادي.
كيف أقول لهم إنني لا أستطيع تناول الطعام باليد اليمني؟
حاولت كثيرًا أأكل باليد اليمنى. كان الأمر مستحيلاً وملعقة الشوربة تتساقد على ملابسي
استمرت المحاولات عمرًا، ولم أعد أذكر الفترة التي قررت فيها مصادقة الشيطان، وتعاهدت معه على الأكل، فلا يضرني، ولا أمنع عنه طعامًا يحبه، وأنا الآن أعيش حالة تصالح عالية مع الأمر.
أما المفرح في أن تكون أعسر، فهو أن يكون خطك جميلاً، وهذا مما لا يدرك أهميته جيل لا يعرف للورق المسطّر والملون والأقلام السائلة والجافة، أية قيمة ، زمان كان الخط الجميل جواز عبور في الإمتحانات . كان يشفع لك عند أستاذ أمامه ثلاثون دفترًا مليئة بقيح وصديد، حتى إذا مر خطك تهلل وجهه واستبشر.
اليوم خمر وغدًا أمر، هذا يومي، وسأحتفل .. سأشرب القهوة باليد اليسرى، وسأسقي الشيطان اللعين، حتى تصيب القرحة معدته.
كل عام والعسر بخير .. وطوبى لمن يكتبون باليسرى كلامًا أنيقًا، ويأكلون بسعادة ويستمتعون بملعقة الشوربة كلها، كلها.