ثقافة وفنونغير مصنف

القس والعهود

عوني سيف / القاهرة

عكست الأحجار المرصوفة بالشمس في سان جيوفاني حدة الصراع الداخلي للقس دانيال. لقد أحب ماريا، حب طعمه حلو مثل التفاحة المحرمة، مر مثل المرارة التي في روحه.
كان جمالها، وهو نابض بالحياة منسوج من حرير يحتضن جسد أنثوي يعج باغراءات لم تكن لدي نصف نساء الارض، دانيال لم يستطع أن يتجاوز هذا الجمال ، لكن فى كثير من الأحيان كان يعتصره الندم و الألم .

كان، رجل الله، المكرس لخدمة المجتمع الصغير المتماسك الذي يقع بجانب سفوح الجبال ، يخون نفس الكتب المقدسة التي بشر بها. كانت سان جيوفاني بلدة تتشبث فيها الأسرار بالجدران الحجرية القديمة مثل التشبث باللبلاب. وقفت الكنيسة الوحيدة ببرج جرسها و ساعته الكبيرة و كأن العقرب الرئيسي يشير بإصبع الاتهام إلي دانيال ، كانه عقرب الساعات شاهد صامت على نفاقه.

لقد التقى بماريا في مهرجان القرية، وكان ضحكها يتردد عبر الصدى في الساحة، صوتها أصابه مثل نداء النداهة. كانت لحظاتهم المسروقة – النظرات الخفية عبر الساحة المزدحمة، والمحادثات الصامتة بحجة المشورة و الاعتراف – هي العزاء الوحيد في عالمه الممزق. عقدت خلوتهم السرية خارج المدينة، في مكان منعزل داخل العناق الهامس للغابة التي تحد النهر الصغير. وفرت أوراق الشجر والماء المتذمر عباءة خادعة من الخصوصية و الاختفاء عن الأعين، لكن خداعه ضغط عليه مثل الهواء الإيطالي الرطب. كان يعلم في قلبه، أن أفعاله خاطئة، وإهانة لعهوده، وخيانة لإيمانه. ومع ذلك، فإن الجاذبية المسكرة لحب ماريا كانت أقوى من ضميره، و اقوي من آيات الانجيل التي فقدت معناها فى عقله.
بعد ظهر أحد الأيام، بينما كانوا يجلسون على ضفة النهر، اشتد التوتر غير المعلن بينهم. ماريا، التي عادة ما تكون نابضة بالحياة، كانت خافتة بشكل غير عادي. انطفأت شرارة المرح من عينيها، واستبدلت بعدم اليقين المضطرب. قالت ” يا دانيال”، وصوتها منخفض، بالكاد مسموع من صوت خرير النهر اللطيف، “هناك خطأ ما. أنا… لقد رأيته “.

سقط قلب دانيال. «رأيت من، يا ماريا ؟» سأل، صوته همس بتوتر.

– “أنطونيو… زوجي… بالقرب من الكنيسة. يراقبنا، أعتقد… من مسافة بعيدة و وقت بعيد “.

استحوذت الرهبة على دانيال. كان أنطونيو، الرجل الفظ ، القوي، معروفًا في جميع أنحاء سان جيوفاني بمزاجه الشرس.
أرسلت صورة غضب أنطونيو، الجسدي والروحي، موجة اقشعر لها القس دانيال. أصبح المكان المثالي للغابة الآن مليئًا بالإحساس بالخوف . و اخذ يتلفت يميناً و يسارا و ينظر بين الأشجار.

كانت الأسابيع التالية رقصة معذبة بين الأمل والخوف. كانت ماريا أكثر قلقًا، وصمتها أثقل، ونظراتها مليئة بالخوف و التوجس الملموس. شعرت بأن اللحظات المسروقة مشحونة بإلحاح جديد، وتدافع محموم لتذوق الحلاوة العابرة لحبهم الممنوع قبل اندلاع العاصفة الحتمية، قبل أن ينتهي.

ثم، في صباح أحد أيام الأحاد، تم اكتشاف ذلك. خلال القداس، تم العثور على صليب خشبي صغير منحوت بشكل جميل – من آثار الكنيسة الثمينة و النادرة- مفقودًا. انتشر الذعر بين المصلين. كانت الخسارة أكثر من مجرد خسارة قطعة أثرية دينية ؛ لقد كان انتهاكًا وتدنيسًا للمقتنيات المقدسة.

سرعان ما بدأ الشك، مثل النار الزاحفة في الهشيم، في تطويق دانيال. كان تحقيق الشرطة، بقيادة المفتش روسي ذو الوجه الصارم، متحفظًا، لكنه كان لا مفر منه. علم المحقق بالشائعات المحيطة بدانيال وماريا. على الرغم من افتقاره إلى دليل قاطع، إلا أن سحابة من الشك كانت ثقيلة تحوم حول القس.

شعر دانيال بأنه محاصر، وعالمه ينهار من حوله. تقارب فضح حبه السري، وسرقة الصليب الأثري، والتحقيق خلق ضغط خانق. نظر إلى ماريا، وعرف أن سرهم، حبهم المتهور، قد لحق بهم أخيرًا، وأطلق العنان لنتيجة مأساوية لا علاقة لها بغضب الله وكل ما يتعلق بالخطأ البشري. بدا النهر، الذي كان ملجأ في السابق، الآن رمزًا للفيضان الذي لا مفر منه لأفعالهم، مما يعكس مستقبلًا قاتمًا وغير مؤكد. تساءل عما إذا كانت الغابة، بشهودها الصامتين، تحمل أي إجابات، أو كانت مجرد قبر لأحلامه المحطمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى