مختارات

وشاح الصداقة

عوني سيف / القاهرة

في مملكة إسرائيل القديمة، حيث تتشابك القلوب مع السيوف، كان داود، الراعي الشاب ذو المهارات الموسيقية الفائقة، قد لمع نجمه بعد أن هزم جليات الجبار. استقبله الملك شاول في قصره، لكن الشرور بدأت تتسلل إلى قلب الملك، حيث غرس الحسد بذوره المسمومة.

أما يوناثان، ابن الملك الشجاع، فقد رأى في داود بطلاً وشريكًا. من اللحظة التي التقيا فيها، نشأت بينهما صداقة قوية، صداقة تتحدى كل الحواجز. أدرك يوناثان أن روح الله تحل على داود، وأن مستقبل المملكة قد يعتمد عليه.

بدأ شاول يرى في داود تهديدًا لعرشه. تسلل الخوف إلى قلبه، وتحول الإعجاب إلى كراهية. حاول شاول مرارًا وتكرارًا التخلص من داود، لكن يوناثان كان يحذر صديقه وينقذه في كل مرة.

في أحد الأيام، اكتشف يوناثان خطة شاول لقتل داود. لم يتردد لحظة، بل أسرع إلى داود وحذره قائلاً: “يا داود، أبي يضمر لك الشر. اهرب لنجاة حياتك.”

ثم نزع يوناثان وشاحه الملكي الفاخر، ورمى به على كتفي داود. كانت تلك اللحظة بمثابة إعلان صامت: تنازل يوناثان عن حقه في العرش لصالح صديقه. وقّع يوناثان وداود عهدًا أمام الله، بأن يظل كل منهما وفيًا للآخر مهما كانت الظروف.

فر داود، وبقي يوناثان في القصر، يحاول تهدئة غضب أبيه. لكن شاول كان قد فقد عقله تمامًا، وأصدر أمرًا بملاحقة داود.

بعد سنوات من المطاردة والهروب، التقى داود ويوناثان سرًا. تبادلا الوعود بالوفاء، وعرفا أن أيامهما معًا قد تكون معدودة. وقبل أن يفترقا، قال يوناثان لداود: “تذكر العهد الذي قطعناه أمام الله.”

في معركة فاصلة ضد الفلسطينيين، سقط يوناثان شهيدًا إلى جانب أبيه، شاول. عندما سمع داود بالخبر، انهار حزنًا. رثى يوناثان بمرارة، وتذكر وشاح الصداقة الذي يرمز إلى التضحية والوفاء.

حتى بعد وفاة يوناثان، لم ينس داود العهد الذي قطعه معه. عندما اعتلى العرش، بحث عن نسل يوناثان ليكرمه ويكرم ذكراه، ليُظهر للعالم أن الصداقة الحقيقية تدوم إلى الأبد، وأن الوفاء أثمن من أي تاج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى