الإنسانية فوق الطائفية: قراءة في مبررات العنف ضد الأبرياء في سوريا

بقلم بهجت العبيدي رئيس التحرير
ما يحدث في سوريا اليوم، من قتل وتدمير، لا يمكن أن يُختزل في مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل هو مأساة إنسانية تُجسد أبشع صور الظلم والعدوان. رغم أن العالم شهد على ما عانى منه الشعب السوري من ويلات، إلا أن ما يثير الألم والحزن العميق هو مشهد تبرير الجرائم ضد الأبرياء بناءً على انتمائهم الطائفي، وكأن حياة الإنسان مرتبطة بمذهب أو عائلة أو لون دم. يعاني الشعب السوري من ويلات الحرب والقهر والتدمير، ولكنه لم يتوقع أن يواجه تبريرًا للجرائم بحجة الانتماء الطائفي. هذا الأمر يزيد من حدة الألم والمعاناة التي يشعر بها السوريون يومًا بعد يوم.
غالبًا ما يبرر البعض هذا العنف بالقول إن النظام السوري البائد كان قد مارس قمعًا ضد أفراد معينين، أو أن المستهدفين من الطائفة العلوية ينتمون إلى النظام الذي مارس الظلم. ولكن هل يحق لأحد أن ينتقم من أبرياء بسبب انتسابهم لطائفة معينة؟ وهل يعقل أن يُحكم على إنسان بالقتل لمجرد أنه ينتمي إلى مجموعة لم يكن له اختيار في انتمائها؟ هذه الأسئلة تعيدنا إلى جوهر القضية الإنسانية: هل تبرر الجريمة جريمة أخرى؟
من المؤلم أن نسمع بعض الأصوات التي تجد في قتل الأبرياء مبررًا في سياق الصراع الذي لا يتوقف. يقول البعض إن هناك من “مؤيدي النظام” الذين يجب أن يعاقبوا جماعيًا، ولكن هل يُعقل أن يُحاسب الأبرياء على خيارات لم تكن لهم يد فيها؟ هؤلاء الذين يُقتلون الآن ربما لم يلتقوا أبدًا بأي من أفراد أسرة الأسد، بل ربما كانوا ضحايا أيضًا لهذا النظام القمعي. وبالتالي، فإن ربط جرم النظام بجريمة قاسية أخرى لا يمكن أن يكون مبررًا لأي نوع من العنف.
إن الطائفية، بأشكالها المختلفة، تمثل فكرًا ضيقًا يهدد التعايش بين البشر. ليس معقولا ولا مقبولا أن يصبح إنسانا أقل قيمةً فقط لأنه ينتمي إلى مجموعة دينية أو طائفية معينة. لقد تسببت الطائفية في العديد من المآسي عبر التاريخ، وما نشهده في سوريا هو مجرد فصل جديد من فصول الظلم الذي يأخذ طابعًا مذهبيًا. إن العنف الذي يُمارس ضد الأبرياء في سوريا لا يعكس إنسانية أو عدالة، بل هو تجسيد لغياب العقلانية والضمير.
إن الحجج التي تُقدم لتبرير مثل هذه الأعمال الإجرامية هي في واقع الأمر حجج باطلة. لا يمكن تبرير إراقة الدماء باسم الانتقام، ولا يمكن لأي ظلم ماضٍ أن يكون مبررًا لاستمرار دائرة العنف. فحتى إذا كان هناك أفراد ينتمون إلى النظام قد ارتكبوا جرائم في حق الآخرين، فإن ذلك لا يعني أن أفرادًا آخرين، لا صلة لهم بذلك النظام، يجب أن يُعاملوا بنفس الطريقة. هل من العدل أن نضع جماعة بأكملها في سلة واحدة بسبب أفعال بعض الأفراد؟ بالتأكيد لا.
إن حلمنا لسوريا المستقبل لا يجب أن يكون مجرد حلم بالانتقام أو الانتقام المضاد. إنما يجب أن يكون حلمًا بالعدالة، والمصالحة، والعيش المشترك. على الرغم من حجم التضحيات والدماء التي سفكت، يبقى الأمل في أن يكون هنالك يوم قريب يمكن فيه للشعب السوري أن يعيش في أمن واستقرار، بعيدًا عن الطائفية، والعنف، والانقسام.
في سوريا، يعيش الناس في ظل واقع مليء بالصعوبات والألم. فالأطفال الذين ولدوا في زمن الحرب لا يعرفون سوى دوي القذائف وأصوات المدافع، والشباب يحلمون بمستقبل أفضل بعيدًا عن تلك الكوابيس. هؤلاء الناس يستحقون الأمل والسلام، ولكنهم يحتاجون إلى العالم للوقوف بجانبهم ودعمهم في هذه المحنة.
سوريا تستحق الأفضل، وشعبها جدير بأن يعيش في بيئة يسودها السلام والعدالة. لا يمكن أن تُبنى الأوطان على أنقاض الدماء، ولا يمكن أن تلتئم الجراح بغير الاعتراف بالجريمة والاعتذار عنها. إن الطريق إلى سوريا جديدة يجب أن يبدأ بالاعتراف بأن الإنسان هو قيمة في حد ذاته، وأن السلام لا يُشترى بالدماء. نتمنى للشعب السوري الشجاع أن يتجاوز هذه المحنة ويعيش في وطنٍ يحترم فيه كرامته الإنسانية، ويسود فيه العيش المشترك بعيدًا عن دائرة العنف والطائفية.