محمد جواد الميالي
ترى كثير من النظريات السياسية، أن أزمة السلطة ضمن كيان الدولةوالمؤسسات السياسية كمنظومة، من أهم التحديات التي تواجه مفهومالدولة المعاصرة..
يعود ذلك لأن السلطة هي الركيزة الاساسية لها، وتُعد القاعدة التيتضمن استمرارية واستقرار المؤسسات وتماسك المجتمع، ومع ذلك فإنتراكم الأزمات وتعميق الصراعات، على النفوذ بين الفرقاء السياسيين،يؤدي لضعف مناعة الدولة وتفتيت مؤسساتها، مما سيفتح البابللفوضى، وتأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي.. لكن يبقى السؤالالجوهري، حول من يسبب هذه الأزمة؟
السلطة ليست مجرد قوة تنفيذية تمارس الهيمنة والسيطرة، بل هيإطار تنظيمي، يهدف إلى إدارة موارد الدولة، وتحقيق العدالة والمساواةالاجتماعية، إلا أن اختلال هذا التوازن، خصوصا في ظل غيابالشفافية، يجعلها عامل تفكيك، بدلاً من أن تكون عنصر توحيد، وهوما يسبب أزمة للحكومة.. أما المؤسسات السياسية، فهي بمثابةالأعمدة، التي يستند عليها النظام السياسي، لضمان حسن إدارةالسلطة، وتنظيم العلاقة بين مكونات المجتمع، وعندما تفشل هذهالمؤسسات في أداء دورها، تصبح الدولة عُرضة للتآكل من الداخل، مايؤدي إلى تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية.
في هذا السياق، يُشكل صراع النفوذ، بين الزعامات السياسية، تحدياكبيرا للدولة، فعندما تتحول السياسة لساحة لتصفية الحساباتالشخصية، وتحقيق المكاسب الفئوية، على حساب المصلحة العامة،يُنتج هذا التصارع تأثيرات كارثية على الاقتصاد والمجتمع، كما يؤديغياب التفاهم والاتفاق على رؤية موحدة، إلى تفكك الدولة، وتشكلمراكز قوة متنافسة، مما يعيق عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية،ويُربك النظام الاقتصادي..
من جانب اخر فإن تزايد حدة النزاع بين الفرقاء، يُعزز الشعور بالتكتلالفئوي، بين المكونات المختلفة داخل المجتمع، مما يزيد من الفجوة بينمكونات الدولة.
الأزمة التي تشهدها العلاقة، بين الحكومة المركزية في بغداد، وحكومةإقليم كردستان العراق، تُعد نموذجا واضحا، على تأثير الصراعاتالسياسية، بين الزعماء على بُنية الدولة، فمنذ عام 2003 تكررتالخلافات، حول عائدات النفط وقضايا إدارتها، ما جعل هذا الموضوعرمزا لفشل المؤسسات السياسية، في حل القضايا الجوهرية..
وفقا لتصريح السيد مسرور بارزاني الأخير، يخسر الإقليم شهريامليار ومائة وتسعة وسبعين مليون دولار، نتيجة توقف تصدير النفط،عبر خط أنبوب جيهان!.. وهذا الرقم يُسلط الضوء، على حجم الخسائرالاقتصادية، التي تلحق بالحكومة المركزية، نتيجة غياب الاتفاق والقدرة على وضع الحلول.
التداعيات الاقتصادية لهذه الأزمة، لا تؤثر على إقليم كردستانفحسب، لكنها آفة تنخر الاقتصاد العراقي ككل، فالتقديرات تشير إلىأن العراق يخسر حوالي 15 مليار دولار سنويا، بسبب عمليات تهريبالنفط من الإقليم، فضلاً عن خسائر في الرواتب تصل إلى 10 تريليوندينار سنويا، تدفعها بغداد لمواطني كردستان، وعلى مدار العقدينالماضيين، وحسب هذه الأرقام، فإن تهريب نفط شمال العراق، يكلفالحكومة المركزية ما يُقدر بـ 300 مليار دولار..
هذه الأرقام تُظهر بشكل صارخ، كيف يُمكن لصراع الزعامات، أنيُهدر موارد الدولة، ويُعرقل التنمية الاقتصادية، والعجيب في الامر، أنلا أحد من الحكومات السابقة، حاسب الجهات الحاكمة فيكوردستان؟!
العالم مقبل على تحديات اقتصادية كبيرة، مثل انخفاض أسعار النفطالمتوقع، والعقوبات الأمريكية المحتملة على بلدنا، والوضع يُنذر بأزمةأكثر تعقيدا..
إن هذا يفرض على الزعامات السياسية في الوسط والجنوب، أنتتبنى مواقف أكثر حزما وواقعية، في التعامل مع ملف تهريب النفطمن الشمال، ويفترض أن يكون التعامل مع هذه الأزمة، قائما علىأساس ان الجميع مواطنين عراقيين، “لا فرق بين كردي وعربي” فلايكون المواطن البصري، أقل حظا من المواطن الكردي في حقوقهوفرصه..
على الاطار التنسيقي، ان يسعى جاهدا لتجاوز المصالح الفئوية، وأنيضع حلولا من مبدأ قوة لا ضعف، وان لا تكون هناك مساومات، علىحساب مواطني الوسط والجنوب، وأن توضع مصلحة الدولة فوق كلاعتبار، وهناك حاجة لاتخاذ قرارات، تُعيد ثقة المواطن بالنظام الحالي،مع فرض سيادة القانون، وإيجاد آليات رقابة صارمة، على إدارةالموارد..
بهذا فقط يُمكن للعراق أن يتجاوز أزماته الحالية، ويبني بلدا أكثراستقرارا وازدهارا، يتساوى فيه الجميع، تحت مظلة الوطن.