الإسكندرية… والاكتفاء بقوارع الطريق
بقلم مصطفى فرج الطبولي
عهدة المصريين لأم دنياهم؛ ابتسامات تنفرد بحب الوطن في زوايا المعاناة، لا يبالون بما يقدمه الزمن من تشائم يخلقه المستقبل بخلقة مريبة ليتربى كبيرا يشيخ في أذهانهم إلى مالا نهاية، ولا بداية،يتغوط بين لزمات أحلامهم كلما اعتزم أحدهم أن يحقق الغاية، فحضرة اليوم يقدّم وجبة الحاضر كما تريد الحياة ، ومريدوا الوطن يأكلون المرّ سكريا يتدحرج فوق ألسنتهم، محتضنا أمعائهم برأفة الأهازيج، واحتواء الصهريج، لا يتأفف أحدهم لقلة العيش ، ولا يسمح لبنات الاعراض أن توقظ شبق الطيش، كلما تمعنت خطواتهم تشاهد التفاؤل يسيج طريقه أمام “التكاتك”، ويزرع بوحه على زعقات الباعة، يطرد بنسائم ثغر الإسكندرية برودة العوز، ويشبع النائمين على مرتفعات القوارع الرمادية بما ينثر مزاح المواساة من تين برشومي، وكرز!، عند نقطة دوران جيهان رأيت عن كثب دخان المشاوي يرتكز على وجوه العمارات القديمة، يغطي بألسنته تأهب النجوم، ويعافر صفاء الرياح حيث تتجه بصفير النوافذ نحو الأنوف، كان موروث أم الكلثوم ألا مورّث يسكن بمقاماته بواطن المسامع يمتزج بقرقرة الإرجيلة، ويذهب بنقمة أولاد النيل إلى هدير الشواطئ ليموت وحيدا بعيدا، جنيه لسيجارتين، وكوب شاي يكفيان المشرد أن يتنفس فرعونيا مخلدا، هذا نداء الأهرامات الهرمة، والقوارب الصدئة، هذه حكايات الجرائد المتعرقة، والكتب المنهكة بالأعين المحدّقة، هذا همس الحضارة المغرورقة في الذاكرة المغادرة القادمة،
يجلس بعربة تتحزم الكتب، تتعمعم بالصحف، وأنفاس المارّة المستمتعين، لكتب العقّاد مواقع حرجة تضرب بجرانها ضعضعة مبالاتي، لمح التفاتتي عن بعد حظين، ورجاء يذب فوق شفتيه، أخذ يغريني بلسان اسكندراني يخضبه الدهاء،
( دا أنت باين عليك بتحب الكتب شوف الكتاب دا بيعلمك الزاي تخاطب الغير، وتقرأ نفسيتو،، ودا للعظيم طه حسين) لم يمهلني فرصة لأطلب الكتاب!، فأردف قائلا: (بص أنا حسئلك سؤال) والتفت مرخيا لكنة أهل البلد يغازل انسدال البحر، يفرد أصابعه شارحا كعالم يختبر العالم، ( لو في عشرة عصافير على الشجرة وقتلنا واحد بقاااا كم جاوبني بالي تدهيولك نفسك) قلت سأجيبك بسطحية تُخجل معنى السطحية، وأخيب ظن العمق الذي لا يَكب في قلوبنا سوى الحسرات المشتعلة، سأركل خصر التفهم، لأشفي غليل الارتياح، وأستقبل بصمود الغفلة وضوع الليالي الملاح، “تسعة على الشجرة يا صديقي، ومات ذلك “الواحد “، سأخذ جولتي، وأعود!، قطب جبينه، والشتائم تدور في عينيه، ابتسم، والخيبة تشق غمازتيه، أشار بيده مغلفا بؤسه ” منور يا عم الرزق على ربنا، ومصر أُمّنا”.