سياسةمقالات

سفينة نوح .. وبرميل البارود !! 

بقلم محمد عبد الجواد

وسط أمواج بحار السياسة المتلاطمة وبين جبال الخلافات والمناوشات والمكائد التي تموج بها الساحة العربية والإقليمية والدولية، ومع تسعر نيران الحقد والكراهية التي يضمرها الكارهون لكل ما هو مصري تبقى مصر هي واحة الأمان لكل حائر وجزيرة الراحة لكل من أرهقته سياط الحياة وسفينة نوح لكل الغارقين والخائفين والتائهين.

الأحداث السياسية المتلاحقة ومشاهد الخيال العلمي التي يعيشها العالم بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص منذ إعلان تنصيب «ترامب» رئيسا لأمريكا تفرض على الجميع وأولهم العرب أن يتركوا أماكنهم وحصونهم وقلاعهم وأبراجهم والتشبث بحبال مصر إذا أرادوا النجاة من طوفان الغرق الذي يداهم الجميع لأنها أصبحت هي سفينة نوح وطوق النجاة الوحيد في المنطقة مع تعالي حالة المد السياسي والعسكري فيها بشكل لم يسبق له مثيل يصاحبه حزر شديد في القومية والعروبة بعد الضربات المتلاحقة التي وجهت للعرب على مدار العشرين عاما الأخيرة وكان من أبرز نتائجها تفكيك الجيش العراقي وحل الجيش السوري أهم ضلعين في مثلث قوة العرب مع الجيش المصري الذي بقى صامدا ومتماسكا وعصيا على الاختراق ويبرز أنيابه للجميع كأسد شرس يتهيأ لالتهام كل من تسول له نفسه الاقتراب من مصر أو محاولة تهديها.

«ترامب» الذي جاء بأطماع وجموح وجنون سياسي غير مسبوق وقدم اقتراحه المشئوم بضرورة تهجير أهل غزة إلى مصر والأردن بحجة إعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية المتعطشة للدماء بدعم وتمويل أمريكي منقطع النظير تلقى صفعة قوية برد مصري مزلزل على مقترحه برفض مصر القاطع لمخطط التهجير سواء كان طوعيا أو قسريا لأنهم أصحاب الأرض ويجب دعمهم للحياة في أرضهم وليس إخراجهم منها بالقوة لتوسيع نفوذ إسرائيل وعلى خطى مصر سارت الأردن ورفضت المقترح وطلبت الدولتان تسوية سياسية عاجلة على أساس حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

مقترح «ترامب» واجه معارضة عالمية شديدة من إسبانيا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا والبرازيل ودول كثيرة حول العالم لأنه سيزيد التوتر القلق والاشتعال في منطقة الشرق الأوسط وسيحول المنطقة إلى قنبلة موقوتة وبرميل بارود قابل للاشتعال في أي لحظة وهو ما دفع الرئيس الأمريكي إلى الرجوع خطوة للخلف وتغيير لهجة خطاباته العتترية ويؤكد أنه ليس هناك داع للعجلة في تطبيق هذا المقترح.

السعودية بعدما اكتشفت محاولات «ترامب» لاستنزافها ماليا وابتزازها بورقة الحماية أدركت أنها ستغرق لا محالة في بحار أطمع الرئيس الأمريكي العميقة والتي لا يبدو لها شطأن فسارعت إلى الإمساك بحبل من حبال سفينة نوح «مصر» وكانت أول دولة في العالم تصدر بيانا لرفض مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة بعد انتهاء المؤتمر الصحفي لترامب بحوالي 36 دقيقة عبر وزارة الخارجية وهو دليل آخر على أن من يريد النجاة عليه اللجوء إلى سفينة نوح لأنها هي الشيئ الوحيد المتزن حاليا وسط أمواج التخبط العاتية والمتلاطمة.

حتى الأبواق الإخوانية التي لم تتوقف عن الهجوم مدفوع الأجر ضد مصر ولم تذكر حسنة وحيدة لدولة لحم أكتافهم من خيرها بعضهم غير بوصلتها وأشاد بموقف مصر والرئيس السيسي الرافض لتهجير الفلسطينيين وأبرزهم محمد ناصر الذي أعلن دعمه لموقف مصر القوي.

خلاصة القول الوضع الحالي في المنطقة العربية يحتاج إلى قراء جيدين للألغاز السياسية التي يطرحها الرئيس الأمريكي بشكل متلاحق تحول الحليم حيرانا وعلى العرب أن يدركوا جيدا أن قوتهم في وحدتهم والتشرذم سيقودهم إلى الهلاك لا محالة وأن يتوقفوا عن المواقف المايعة ويكون لهم موقف موحد وأن يكون باطنهم مثل ظاهرهم حتى لا يتحولوا إلى فريسة طرية على موائد اللئام لأن المتغطي بالأمريكان عريان .. !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى