في مواجهة الانحطاط الفكري والاجتماعي قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية والمخيلة الجنسية المريضة
سمير عادل
من دون مستنقع الانحطاط الفكري والسياسي، لا يمكن للأحزاب والجماعات الإسلامية أن تبقى على قيد الحياة ليوم واحد. فإذا جُفِّف هذا المستنقع أو رُدم، فلن يكون لتلك الجماعات أي وجود، مهما كان مكانها وأيًّا كان المجتمع الذي استوطنت فيه.
إن التمرير السريع لمشروع قانون تعديل الأحوال الشخصية في البرلمان، بأسلوب تحايلي واضح من قبل رئيس البرلمان محمود المشهداني، ومن دون احتساب الأصوات أو إتاحة فرصة كافية لمناقشته، لا يكشف فقط عن هشاشة عملية تشريع القوانين في البرلمان العراقي، بل يعكس أيضًا الانحطاط السياسي لهذه الجماعات. فلولا السياسة الأمريكية – من حربين مدمرتين، وحصار اقتصادي، ثم الغزو والاحتلال، وما تبعه من تدمير للبنية الاجتماعية والفكرية، وفرض التراجع على المدنية والتحضر لتهيئة البيئة الخصبة لتمكين هذه الجماعات- لما كنا نشهد مسرحية تمرير القوانين في مثل هذه البرلمانات، إلا في روايات الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز.
جاء عرض هذه المسرحية على عجل، مدفوعًا بالتغييرات التي شهدتها المنطقة. فبعد المناقشة الأولى والثانية لمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية، كان من المفترض منح مهلة مدتها ستة أشهر للوقفين الشيعي والسني لتقديم مدوناتهما إلى البرلمان قبل التصويت على القانون.
إلا أن سقوط نظام الأسد، وسيطرة جماعات إسلامية سنية على الحكم في دمشق، إلى جانب الهزيمة التي مُني بها حزب الله، وهي تطورات أسهمت في تراجع النفوذ الإيراني، عجّلت بتمرير القانون دون انتظار وصول المدونات. وقد كان الهدف الأساسي من هذه العجلة هو أولًا ترسيخ التقسيم الطائفي على المستوى الاجتماعي من خلال تشريعه رسميًا في القانون، وهو ما يخدم استراتيجية بقاء هذه الجماعات سياسيًا، وإدامة نظام المحاصصة. ومع تغير موازين القوى السياسية، تسعى هذه الجماعات الفاسدة إلى ضمان حصة لها في السلطة، كما هو الحال في لبنان.
وثانيا لتفويت الفرصة على تركيا أو منع ارتفاع قيمة شراء ولاء الجماعات المصنفة ضمن “عرب السنة”، وحتى لا تميل الكفة لصالحها في أي تغيير للتوازن السياسي- وهو ما ينطبق على تحالفات مثل “عزم” و”تقدم”، التي يمثلها محمود المشهداني ومحمد الحلبوسي وخميس الخنجر- تمت مكافأتهم بتمرير “قانون العفو”، الذي ظل في أرشيف البرلمان لأكثر من ست سنوات.
صحيح أن تغييرات طرأت على القانون نتيجة ضغط الحركة النسوية والتحررية في العراق، بالإضافة إلى ضغوط المؤسسات الدولية، مما ادرج في تعديل القانون خيارات مفتوحة للجوء إلى المحاكم المدنية أو المحاكم الشرعية السنية والشيعية وغيرها. ومع ذلك، فإن مجرد تعديل هذا القانون بالمحتوى الذي مرر يشكل وصمة عار على جبين الإنسانية.
إن تزويج الأطفال في عمر الزهور، تحت غطاء “التكليف الشرعي” الذي يعد أحد البنود الأساسية في هذا القانون، يثير تساؤلات جوهرية حول إنسانيتنا نحن الرجال، بنفس القدر الذي يحطّ من قيمة الطفلة الأنثى. كما أنه يكشف عن ذهنية منحطة تختزل الرجل في إطار شهوة جنسية مشوهة ومُستغلَّة تجاه الفتيات القاصرات.
إن تزويج الفتيات القاصرات يُعدّ، وفقًا لجميع المواثيق الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، اعتداءً صارخًا على الطفولة. وعندما يُمنح هذا الاعتداء غطاءً قانونيًا وشرعيًا، فإن ذلك يعني أن العالم يسير في اتجاه، بينما تسعى هذه الجماعات إلى جرّ المجتمع العراقي إلى مستنقع الانحطاط الاجتماعي، كي تتمكن من البقاء والتنفس فيه.
وكل من يحاول تبرير هذا الانحطاط أو الانغماس فيه دون أي رادع أو مساءلة، تحت غطاء الدين والتقاليد والأعراف وما شابها، مهما كان مصدره، فإنه يسعى بشكل ممنهج إلى حماية امتيازاته، او لنقل هناك مصالح يتعقب وراءه. فبدون المستنقع الطائفي، وبدون الانحطاط الفكري الذي يسعى إلى شرعنة الانحطاط الاجتماعي في هذا المستنقع، لا مكان لهذه الجماعات إلا خارج التاريخ الإنساني بمعناه المطلق.
ان هذه الجماعات تحاول اختزال إنسانية الرجل بالمخيلة الجنسية المريضة التي تحلق في عالم الاغتصاب والاعتداء الجنسي على الأطفال والتحليق بشكل اكبر في عالم الجواري بتعدد الزوجات بشرعية قانونية. أي بمعنى آخر أنها تسوق صورة في المجتمع؛ ليس امام الرجل من خيارات إنسانية أخرى، وليس لديه شغل شاغل سوى إطلاق مخيلته الجنسية في عالم الأطفال والجواري. وهكذا يطبع بشكل تلقائي في ذهنية المرأة صورة نمطية شرقية ومتخلفة عن الرجل بانه وحش جنسي مريض يلبس جلد الانسان.
وعليه إن قضية النضال ضد هذه الجماعات وقوانينها ليست قضية المرأة وحدها، بل هي جوهر قضية إنسانية الرجل أيضًا، بل هي جوهر إنسانية المجتمع الذي نحيا فيه.
وعلينا ألّا نعير أي اهتمام للخلفيات الأيديولوجية أو الفكرية أو السياسية للأطراف التي تناهض هذا القانون المشين، ما دامت تشكل جبهة عريضة ومتراصة للإطاحة بهذا القانون، فإن النضال ضد تعديل هذا القانون بمختلف الوسائل الممكنة، وحشد القوى لإسقاطه أو تعطيله، يعدّ مهمة جوهرية في الدفاع عن إنسانيتنا. فهذا النضال يسهم في تجفيف المستنقع الذي تسعى الجماعات الإسلامية إلى إبقائه عامرًا باستمرار.