ثقافة وفنون

الضريح … قصة قصيرة

عونى سيف / القاهرة

 

فايزة ابنة الحاج درويش، فتاة عمرها ثلاثون عاماً – تأخرت فى الزواج عن صديقاتها بدون أسباب – جميلة ، خمرية اللون ، هيفاء الطول ، متناسقة القد. كان أبوها أحد أعيان القرية . ترك لها ما يكفيها من مال . تزوجت عام ١٩٨٥ م . انجبت طفلها الأول عام ١٩٩٠ م بعد أن دارت و حارت على الأطباء و الشيوخ خمس سنوات ، تستجدي العلاج و الصلوات و الدعاء لها بالانجاب. كانت تذهب كل أسبوع إلى ضريح سيدي الشيمى و معها عملات نقدية كثيرة فئة جنية توزعها على الأطفال و الشحاذين .

أسمته درويشاً تيمناً لاسم أبيها . نذرت أن تعد الأرز باللبن أسبوعين كاملين كل صباح ، و أن تذهب الى الضريح توزع النذر على الأطفال و الكبار. عرف اطفال القرية بنذرها و اخذوا يتجمعون كل صباح بجوار الضريح ينتظرون الأرز باللبن ، يعدون الايام ، يريدون أن النذر لا ينتهي. الأرز الذي كانت تعده فايزة شهي ، طيب المذاق ، به كثير من الزبيب و المكسرات.

 

 

كانت هذه عادات اهل البلدة .كان سيدي الشيمى له موسم سنوى يتجمع فيه الناس من القرى المجاورة. يستأجرون غرف فى بيوت القرية ، يذبحون الخراف و الجداء ، يطهون و يأكلون ، يوزعون على المارة و البيوت ، وعلى المجتمعين حول الضريح. يقيمون الصلوات الخمس بمسجد قريب . كبر درويش و ذهب إلى المدرسة. كان يمر على الضريح فى طريقه.و كثير من الأحيان يجد من يوزعون طعاماً أو فاكهة بجوار الضريح. كان يأخذ منهم مثل اطفال القرية ، و يتناولها فى طريقه إلى المدرسة . كل عام كان ينجح ، وكانت أمه توزع عند الضريح ما لذ و طاب.

دخل درويش الجامعة. و تعرف على غلاب – شاب من القرية يكبره بعامين – الذى يذهب معه نفس الجامعة. أعطاه غلاب بعض الكتب لكى يقرأها ، و أصبحوا اصدقاء. يذهبون معاً، يأتون معاً ، يصلون الجمعة فى نفس المسجد لكى يسمعا نفس الخطيب. ذلك كان عام ٢٠١٠ م وكانت الجماعة التى ينتمي إليها غلاب لها السيطرة علي مساجد القرية .

يوماً ما ، تكلم الخطيب عن إزالة الكفر والشرك من القرية ، رد درويش :

_ الحمد لله يا مولانا ، قريتنا ليس بها غير المساجد ، الحمد لله كلها مسلمون.

فقال الخطيب :

_ الحمد لله ، لكن الضريح الكائن في أول البلدة من مظاهر الكفر

فقال أحد الشباب:

_ نحن موحدون بالله ، فما الضرر من الضريح .

فقال غلاب :

_ وجود هذا الضريح كفر ، و من يمنع هدمه فهو كافر.

فخرج الشباب بكل حماسة ، بالفؤوس و المعاول ، و هدموا الضريح ، لم يتركوا فيه حجر على حجر .

حزنت فايزة ، كانت تعتبر الضريح سبب بركة للبلدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى