مقالات

القوة بين الشعارات والتطبيق

محمد جواد الميالي

تعد القوة ركنا محوريا، في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية،لأنها تعبر عن قدرة اللاعبين السياسيين، على التأثير في سلوكالآخرين لتحقيق أهداف معينة..

هذا المفهوم لا يقتصر على جانبه العسكري، بل يتسع ليشمل أبعاداأخرى كالاقتصاد والثقافة والتكنولوجيا، كما إن محاولة فهمهاوتحليلها، يستدعي إدراك كيفية تعامل الدول معها كغاية ووسيلة.. ومايترتب على ذلك من تداعيات على سياساتها الداخلية والخارجية.

تسعى الدول لإمتلاك القوة، كغاية ووسيلة استراتيجية، لتعزيز مكانتهاوضمان مصالحها في النظام الدولي، وبالتالي تعكس رغبتها فيتحقيق الهيمنة، أو الحفاظ على السيادة، لكنها تبقى مجرد شعارات،ربما تكون رادعة، إلى حين الاستخدام الفعلي لها، حيث يصبحاستخدامها أداة، لتعزيز المصداقية على المستوى العالمي..

المصداقية هنا ليست مجرد إدعاء، بل تتجسد في قدرة فعلية، علىاستخدام القوة بشكل، يُقنع الآخرين بجدية التهديدات، وان لا شيءيمنع من استخدامها.. فعلى سبيل المثال، ان الأمم التي تمتلك ترسانةنووية أو تكنولوجيا متقدمة، بشكل عام تبقى تلوح بإستخدام تلك القوةدون مصداقية لإستخدامها، وكمثال خاص فإنه وعلى مدى عشرينسنة، كانت ايران تهدد الكيان الاسرائيلي، بأنها تملك قوة صاروخية،لكنها كانت بدون مصداقية واقعية، حتى يوم العاشر من تشرينالاول، حينما استخدمتها طهران و اثبتت مصداقية إمتلاكها، وجديتهابإستخدامها..

رغم أن القوة قد تكون هدفا بحد ذاتها، إلا أنها تُستخدم أيضاكوسيلة، لتحقيق سياسات الدول على الصعيد الداخلي، فتُستخدملضمان الاستقرار وفرض النظام، بينما تُستخدم خارجيا كأداةللضغط، أو الردع أو تحقيق الاهداف الخاصة، وهذا يعني انها ليستدائما عسكرية، إذ يمكن أن تكون اقتصادية كالعقوبات، أو دبلوماسيةمثل التحالفات الدولية، فهي الوسيلة الفعالة لتحقيق اهداف الدول فيسياقات متعددة، لكن تبقى القوة بانواعها المختلفة، هي هيكل الحروبوعمودها الفقري، واداتها الابرز والاظهر.

القوة العسكرية هي أبرز أدوات المعارك وأكثرها وضوحا، وتعد العنصرالأساسي في الحروب القسرية، لأنها بطبيعتها إجبارية، تُستخدمفيها القوة لفرض الإرادة، وتحقيق الأهداف السياسية..

على مر التاريخ لعبت الحروب دورا محوريا، في تغيير موازين القوى،وتشكيل الخرائط الجغرافية، ورغم ما تحمله الحروب من قسوة، فإنهاأداة فعالة لتحقيق الأهداف، عندما تفشل وسائل التأثير الاخرى.. وعادة ما يكون هدفها، السيطرة على الموارد الاقتصادية، أو الهيمنة أوحتى التمدد الجغرافي.

التاريخ يوضح أن المعارك كانت، أداة مركزية في نشوء الدولوتشكيلها، فعلى سبيل المثال، تحقق استقلال الولايات المتحدةالأمريكية، بعد حرب ضد بريطانيا، واستقلال الفلبين جاء بعد حربضد إسبانيا، وفي السياق ذاته، فإن الحرب الروسية الأوكرانية، هيلأجل سيطرة الروس، وتمددهم داخل الاراضي في الشرق الاوربي،ومسك ساحل البحر الاسود، وكما يبدوا فان روسيا، لن تتنازل وفي ايمعاهدات، عن الاراضي التي سيطرت عليها، وهذا هو هدفها الحقيقيمن هذه الحرب، التمدد الجغرافي..

إذن ما هو هدف الكيان المحتل من دخول الحرب ضد غزة ولبنان؟

وقف اطلاق النار الأخير، اثبت ان الكيان الغاصب، ليس هدفه التمددأو حتى حلم الدولة الكبرى، والذي صدع مسامعنا فيه، وإن الصراعالأخير بين إسرائيل من جهة، وقوى المقاومة من جهة أخرى، يُظهربوضوح هدف هذه المعركة، التي سعت فيها إسرائيل إلى، استعراضقدراتها التكنولوجية والعسكرية، خاصة في المجالات السيبرانيةوالصاروخية والتجسسية، وهذا يدفعنا لسؤال اخر، فما الهدفالحقيقي وراء هذا الاستعراض؟

يبدو أن الهدف الأهم والأعمق، يكمن في أن أمريكا تريد أن تثبت لدولللشرق الاوسط، أن الصهاينة يمثلون قوة عسكرية إقليمية كبيرة، تخدمالمصالح الغربية في المنطقة، من خلال هذا الاستعراض، بعثت الولاياتالمتحدة رسالة واضحة، إلى خصومها وحلفائها، مفادها أن قدراتهاالعسكرية، قادرة على التعامل مع التحديات المستقبلية، وأن الكيانقبل 7 أكتوبر ليس كما بعده، كما أن هذا الصراع يعكس استراتيجيةامريكية، تهدف إلى تعزيز الردع، وفرض واقع جديد على الأطرافالأخرى، خاصة في ظل تصاعد الحديث، عن حروب المحاور والأدواتفي المنطقة، فأما أن تكون حليفي أو عدوي ولا ثالث بينهما..

إن الحرب بين إسرائيل وغزة ولبنان، تمثل نموذجا معاصرا لمفهومالقوة، فهو لم يكن مجرد معركة عسكرية، بل كان رسالة استراتيجية،حول مكانة الصهاينة في الشرق العربي، يعيد بها الغرب صياغةقواعد اللعبة القادمة، مما يطرح تساؤلات حول مستقبل العراق ومصر،في ظل حروب المحاور والصراعات الاقليمية؟! لأنهما يمثلان اقوىجيوش المنطقة ما بين اسيا وافريقيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى