سياسةمقالات

متى ستحترق أمريكا؟

محمد جواد الميالي

شهدت ولاية كاليفورنيا الأمريكية، سلسلة من الحرائق الكارثية،وخاصة في مدينة لوس أنجلوس، مخلفة وراءها دمارا واسعا يفوقالتوقعات، للحرائق المعتاد حصولها سنويا..

وفقا للمصادر الأمريكية دمرت هذه الحرائق، ما يزيد على 3000 مبنى، وقدرت الخسائر الاقتصادية، انها ربما ستصل نحو 100 ملياردولار، وتقديرات تشير إلى أن إعادة الإعمار، قد تكلف الإدارةالأمريكية أضعاف هذا المبلغ، ولم تغب التساؤلات عن أسباب حصولهذه الحرائق، خاصة في منطقة قريبة من الساحل مثل لوس أنجلوس،حيث يفترض أن تكون الحرائق أقل تواترا.. فما الأسباب الحقيقيةخلف هذه النيران؟

بداية، لا يمكن فصل الحرائق عن السياق الأصلي بتغير المناخ، الذييشهد العالم آثاره المتزايدة، فلقد ارتفعت درجات الحرارة العالمية، إلىمستويات قياسية خلال العقود الماضية، ونتيجة للنشاط البشري منذالسبعينيات، تشير الدراسات العلمية إلى أن نسبة تصل إلى 172% من الحرائق التي شهدتها الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، تعودبشكل مباشر أو غير مباشر إلى النشاط البشري المتزايد.  

في هذا الإطار، فإن أزمة المناخ تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة،وهو ما يفاقم من الجفاف، ويسهم في زيادة وتيرة وشدة الحرائق،وعلى الرغم من أن شمال كاليفورنيا، شهد كميات وفيرة من الأمطارهذا الشتاء، فإن جنوب الولاية يعاني من جفاف هو الأشد منذ أكثر من150 عاما، وفقا لدانييل سوين عالم المناخ بجامعة كاليفورنيا في لوسأنجلوس.  

يبقى التساؤل الأهم، عن من الذي يجب وضعه في دائرة الاتهام؟

تلعب الأنشطة البشرية الصناعية، دورا مركزيا في هذه الكوارثالبيئية، وتشير التقارير إلى أن الحرارة الناتجة، عن حرق الوقودالأحفوري، لتنقيب النفط الصخري في مناطق مثل كولورادو، تسببتفي جفاف النباتات والتربة وانخفاض الرطوبة، مما يخلق بيئة مواتيةلإنتشار الحرائق، بالإضافة إلى ذلك فإن عملية استخراج النفطالصخري، التي تُعدّ من أعمدة السياسات الأمريكية في قطاعالطاقة، أسهمت في زيادة سرعة الرياح، بسبب الحفر والتنقيب فيالمناطق الصخرية، الذي زاد سرعة الرياح إلى 90كم/ساعة وهو ماأدى إلى عدم السيطرة على الحرائق..

هذه الأنشطة لا تؤدي فقط إلى زيادة احتمالية الحرائق، لكنها أيضاتفاقم الأضرار من خلال تقويض الجهود الرامية، للحد من تداعياتأزمة المناخ، ورغم ذلك أعلن ترامب قبل فوزه في الانتخابات، عن عزمهزيادة انتاج النفط، وطرحه في الاسواق، ليصل سعر النفط الى 40 دولار!.. لأسباب اقتصادية واجتماعية، يعاني منها الداخل الأمريكي،لكن في ظل هذه الكوارث البيئية، هل ستستمر الولايات المتحدة فيدعم استخراج النفط الصخري وزيادة إنتاجه؟ أم أنها ستعيد النظرفي سياساتها للطاقة لتجنب المزيد من الكوارث؟  

رغم التحذيرات المتكررة، يبدو أن الإدارة الأمريكية تواجه معضلةكبيرة، فمن ناحية تعاني البلاد، من ارتفاع غير مسبوق في أسعارالطاقة، مما يجعل النفط الصخري خيارا استراتيجيا لخفضالتكاليف، ودعم الداخل الأمريكي، ومن ناحية أخرى فإن استمرارهيعني زيادة حدة التغير المناخي، وما يترتب عليه من كوارث طبيعية، قدتكون أكثر تدميرا في المستقبل؟!

مع استمرار سياسات استخراج الوقود الأحفوري، وتجاهل الحلولالمستدامة، قد لا يكون السؤال، هل ستحترق أمريكا مرة أخرى؟، بلمتى ستحترق؟

تشير التوقعات التحليلية العلمية، إلى أن التغيرات المناخية، ستزيد منوتيرة هذه الكوارث، مما يتطلب تغييرات جذرية في سياسات الطاقة،والتعامل مع أزمة المناخ بواقعية أكبر.

ليس أمام الولايات المتحدة سوى خياران أحلاهما مرّ.. فإما التوجهنحو حلول مستدامة، تقلل من تداعيات التغير المناخي، وتترك سباقالاقتصاد مع الصين، أو مواجهة مستقبل مليء بالحرائق والكوارث،التي لن تكون خسائرها محصورة على البيئة، بل ستطال الاقتصادوالمجتمع بأكمله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى