إن صادفت والتقيت متغربًا سيحدثك عن تفاصيل حارته ، عن مدينته ، عن شوارعها ، عن رائحة المطر ، عن تساقط أوراقها ، وقد يستغرق في تفاصيلها ، لا أنكر أن لكل منا موطنا ذا خصوصية عن الآخر .
دعك من هذا كله وتعال لأرافقك في رحلة مجانية . فقط أغمض عينيك وتحسس كلماتي ، ولنصعد نحو الأعلى حيث وادي الشواعر ، وباطن بو منصور والشلال ، على عكس كل الغابات لا بد أني سأرهقك بالصعود معي ، هل ترى أصناف النعناع هنا؟ إنها خضراء. أليس كذلك ؟ تبدو من بعيد كأنها عين فاتنة من شرق أوروبا ، هل ترى رمان (الشلفي) ؟ هذا صنف لا يعيش إلا على المياه دائمة الجريان ، وهذه المعلقات التى تشبه قناديل المولد هذا (زق الطير) وهو عنب مميز جدًا.
وصوت الضفادع يصم الآذان . تحسس معي مياه الشلال . أليست باردةً؟ كأنها خرجت من ثلاجة . هنا يا صديقي يمكنهم الزراعة على السفوح ، وفي السهول وعلى كل ضفة ، فالتراب دائم الخصوبة ؛ لكثرة الظلال . ألم تلاحظ هذا معي ؟ هذه الشجرة التى تمسكها بيدك يطلق عليها نبات (التفلة) ، فهذه (مسك الليل) ، وهذا هو شعار المدينة ونسميه (بالياسمين) ستجد الأطفال يبيعونه عند أسفل الوادي.
استمع معي لألحان (الهنيد) ، وكلمات (التاوسكي) ، هنا كتب (الأسطى عمر) قصيدته الأخيرة ، هنا رائحة (البردقوش) النافذ يختلط (بالحبق) ، هل رأيت خبزة تنور ذهبية اللون قبل هذا اليوم ؟
أريد منك الآن أن تفتح عينيك ، أريد أن أقول لك إنني هنا خسرت آلافًا من الأصدقاء والأقارب في ردة طرف ، هذا لا يحدث لأحد حتى في أسوأ كوابيسه وخسرت الناس والأماكن أيضًا ، وهنا لا يمكنني الوصف لك إلا وأنت مغمض العينين…