اسلاميات وعقائدرئيس التحريرغير مصنف

احترام الأديان والتعايش السلمي: رؤية نقدية لسلوكيات تسيء للإسلام

بقلم: بهجت العبيدي رئيس التحرير 

 

في مشهد مؤسف وسخيف للغاية، ظهر شخص مسلم في إحدى المدن الإيطالية وهو يقتحم احتفالات السكان بالعام الجديد، قارئًا سورة “يس” من القرآن الكريم وسط دهشة المحتفلين من الإيطاليين. هذا السلوك الأرعن الذي يعكس سوء فهم للدين الإسلامي ولأهمية احترام الآخرين، يشوه صورة المسلمين، ويعرضهم جميعًا، خاصة في المجتمعات الغربية، لمزيد من التحديات والانتقادات، بل وربما الأخطار.

هذا الفعل يعبر عن استحقاقية خطيرة يمنحها بعض المسلمين لأنفسهم، وهي نتيجة مباشرة لما يزرعه بعض المشايخ ضيقي الأفق في نفوس المسلمين. تلك الاستحقاقية تجعل البعض يتصور أنه صاحب الحق الوحيد في التعبير عن دينه، دون اعتبار لحقوق الآخرين أو معتقداتهم. ولكن، لو قلبنا الموقف وسألنا: ماذا لو قام شخص من أتباع ديانة أخرى بفعل مماثل؟ ماذا لو اقتحم أحدهم احتفالًا دينيًا للمسلمين وبدأ في تلاوة آيات من الإنجيل أو التوراة أو حتى الفيدا؟ هل كان سيُعامل بنفس الهدوء والدهشة التي تعامل بها المحتفلون الإيطاليون مع هذا المسلم؟

في المجتمعات الإسلامية، وربما حتى في المجتمعات الغربية التي تضم أغلبية مسلمة، قد لا ينجو شخص يقوم بهذا الفعل بحياته. فمن المرجح أن يواجه ردة فعل عنيفة من المحتفلين المسلمين، لأن كثيرًا من المسلمين يعتبرون أي انتقاد أو تدخل في معتقداتهم بمثابة تعدٍ لا يُغتفر.

إن المحتفلين الإيطاليين أظهروا مستوى عالٍ من الاحترام رغم اندهاشهم من اقتحام الرجل احتفالهم الخاص. فلم يتعرضوا له بأي سوء، ولم يُظهروا أي نوع من العدائية تجاهه. إن هذا التصرف الحضاري يعكس احترامًا حقيقيًا للتعددية وحرية التعبير، حتى وإن جاءت في سياق مزعج أو غير ملائم.

وعلى النقيض، يغيب عن البعض في المجتمعات الإسلامية هذا الفهم العميق للتعايش والاحترام المتبادل. إن هناك فجوة كبيرة بين النظرية والتطبيق في التعامل مع الآخر. ففي حين يُطالب المسلمون بالاحترام لخصوصياتهم وعقائدهم في كل مكان، فإن بعضهم يتجاهل منح هذا الاحترام ذاته للآخرين.

إن الإسلام، الذي هو دين محبة وتسامح، يُعلمنا أهمية احترام الآخر، أيًا كانت عقيدته أو خلفيته. ومثل هذه التصرفات الفردية تُسيء ليس فقط إلى المسلمين الذين يعيشون في الدول الغربية، بل إلى صورة الإسلام ذاته. يجب أن ندرك جميعًا أن بناء جسور المحبة والتعايش لا يتم من خلال فرض العقيدة أو اقتحام خصوصيات الآخرين، بل من خلال الحوار والاحترام المتبادل.

وقد ضرب الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، نموذجًا فريدًا في هذا السياق حينما يهنئ المسيحيين في مصر بعيد الميلاد، ويذهب شخصيًا إلى الكنيسة للقاء البابا تواضروس الثاني. إن هذه اللفتة تعكس روح الإسلام الحقيقية القائمة على التآخي والتعايش بين جميع البشر.

ختامًا، نحن بحاجة ماسة إلى مراجعة أنفسنا كمسلمين، خاصة في المجتمعات الغربية، وأن نتوقف عن إعطاء أنفسنا استحقاقية لا نرضاها لغيرنا. إن احترام جميع العقائد والأديان واجب أخلاقي وإنساني، وهو السبيل الوحيد للتعايش السلمي بين البشر.

وعلى المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف، أن تستمر في نشر قيم التسامح والحوار، وأن تُدين مثل هذه التصرفات التي تسيء للإسلام وتعرض المسلمين للخطر. إننا لا يمكننا بناء عالم أفضل إلا إذا احترمنا اختلافاتنا، وتركنا لكل إنسان حقه في الاحتفال والعيش بما يؤمن به، دون تدخل أو فرض.

فلنكن دعاة سلام، لا أدوات لنشر الفوضى وسوء الفهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى