تحليل يكتبه/ محمد عبد الجواد
غاب لمدة وعاد بأعلى جودة ليفكك سوريا بكل سهولة خلال عدة أيام بعد أن استعصت عليه هو وشركاه لسنوات إنه أبو محمد الجولاني الذي غير جلده بعد اختفاء لعدة سنوات تم خلالها تنفيذ عملية سوفت وير كامل وإعادة ضبط مصنع شملت الشكل والهيئة ولغة الجسد وطريقة الحديث حتى كنيته التي عرف بها طوال تاريخه خلال رحلته داخل التنظيمات الارهابية المختلفة من القاعدة إلى جبهة النصرة ثم هيئة تحرير الشام وبدأ يطرح نفسه باسمه الحقيقي أحمد الشرع ليتناسب مع متطلبات وطبيعة المرحلة من الخطة B بعد الفشل الذريع له ولداعميه في تنفيذ الخطة A منذ عام 2011 فيما عرف بثورات الربيع العربي .
الجولاني البالغ من العمر 42 عامًا، تخلى عن العمامة البيضاء التي كان يضعها على رأسه في بداية اقتحام عالم التطرف والارهاب وبدأ يرتدي زيًا عسكريًا وأحيانًا زيا مدنيا في إطار عملية تجميل صورته التي خضع لها خلال فترة اختفائه المريب وتخلص من هيئته التي كانت تشبه كفار قريش في أفلام الأبيض والأسود المصرية وبدأ في تهذيب لحيته ليتحول من قاتل ومتعطش للدماء إلى معارض مودرن يريد تخليص سوريا من أخر سلالة عائلة الأسد وحكم حزب البعث.
الجولاني انتقل من خطاب إسلامي متطرف إلى شخصية مختلفة تماما في إطار تجهيزه ليقود تيار التغيير في سوريا ليرد الجميل إلى أولياء نعمته ويكون معول هدم وتفتتيت لوطن كامل وقدم هضبة الجولان وجبل الشيخ على طبق من ذهب لإسرائيل قبل مرور 24 ساعة على هروب بشار الأسد ودخول الجولاني ومليشياته إلى العاثمة دمشق.
ولد محمد الجولاني أو أحمد الشرع عام 1982 في حي المزة بدمشق، لعائلة ميسورة ودرس الطب وبدأت أولى علامات الجهاد تظهر في حياته بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة، وبدأ يحضر خطب دينية واجتماعات سرية في ضواحي دمشق وبعد الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003، توجه للقتال هناك وانضم إلى تنظيم القاعدة تحت قيادة أبي مصعب الزرقاوي. واعتُقِل الجولاني عدة مرات من الجيش الأمريكي، لكنه بقي في العراق ثم انضم لتنظيم داعش في العراق تحت قيادة أبو بكر البغدادي.
ومع اندلاع الانتفاضة السورية 2011، زادت شهرة الجولاني بعدما أرسله البغدادي إلى سوريا لتأسيس فرع لتنظيم القاعدة هناك تحت اسم جبهة النصرة ورصدت الحكومة الأمريكية مكافأة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه لكنه بعد خضوعه لعملية التجميل وعمل ضبط مصنع له تحول من عدو إلى حليف وتجري حاليا لرفع اسمه واسم منظمته من قوائم التنظيمات الارهابية الصادرة من الولايات المتحدة.
ومع اشتداد حدة القتال في سوريا عام 2013، تزايدت طموحات الجولاني في الزعامة مبكر وتحدى دعوات البغدادي لحل جبهة النصرة ودمجها مع عمليات القاعدة في العراق وخاضت جبهة النصرة معارك ضد داعش وقضت على الكثير من منظمات المعارضة المسلحة السورية.
في عام 2016، أعلن الجولاني انفصاله عن تنظيم القاعدة وحاول تغيير صورته وتقديم نفسه في مظهر أكثر اعتدالًا لكنه ظل متطرفا براجماتيا يلهث وراء تحقيق طموحه.
ودشن الجولاني منظمته الإرهابية الجديدة تحت مسمى هيئة تحرير الشام واتخذ من مدينة إدلب معقلا لها وأعلن أنها لا تتبع أي جهة خارجية ومهدت هذه الخطوة الطريق أمامه لتأكيد سيطرته الكاملة على الجماعات المسلحة المتفرقة في سوريا.
في عام 2021، بدأ الجولاني رحلة التودد للإدارة الأمريكية، بتأكيده أن هيئة تحرير الشام لا تشكل أي تهديد للغرب والعقوبات المفروضة عليها ظالمة ونفى رغبة منظمته الارهابية الوليدة شن حرب ضد الولايات المتحدة أو أوروبا وبالتالي قدم قربان الولاء للغرب ليتلقفه الأمريكان لبدء إعداده للمرحلة الحالية ليكون رجلهم في سوريا بشكل يضمن أمن وأمان إسرائيل.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، اتهم سكان وأقارب معتقلين ومدافعين عن حقوق الإنسان في سوريا هيئة تحرير الشام آخر معقل معارض في سوريا بمنطقة إدلب بارتكاب انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب، ونُظمت تظاهرات احتجاجية على هذه الممارسات في المنطقة.
السؤال الآن وقبل أن تتضح معالم الصورة الضبابية للأوضاع في سوريا هو هل يكتفي الجولاني بما حققه ووصل إليه الآن ويتحول إلى دمية في يد الأمريكان والاسرائيليين وينتقل من خشونة حياة الإرهابيين والمطاردين إلى رغد العيش في القصور أم يغويه شيطان طموحه بالتمرد عليهم بعد أن يستتب له الأمر فيكون في ذلك هلاكه وانتهاء مغامرته البراجماتية مبكرا ؟
الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى فترة انتظار قد تطول أو تقصر حسب تطورات الأوضاع على الأرض لكن الشيء المؤكد أن سوريا ضاعت للأبد ولن تعرف الهدوء والاستقرار بعد أن وضعها طمع المغامرين ومجنوني السلطة من أبنائها فريسة على مائدة اللئام !!