ثقافة وفنونمنوعات

صالون الجراح الثقافي: لقاء طبي ثقافي

مها رياض 

أقام الأستاذ الدكتور جمال مصطفى سعيد أستاذ الجراحة والاورام كلية الطب بجامعة القاهرة صالون الجراح الثقافي التاسع والثمانين بمكتبة مصر العامة بالدقي يوم الاثنين الموافق الثاني من ديسمبر الجاري باستضافة المؤرخ والمفكر الأستاذ أحمد الجمال والاستاذ الدكتور أسامة طلعت أستاذ التاريخ والآثار ورئيس دار الكتب والوثائق القومية سابقآ وأمين عام المجلس الأعلى للثقافة الحالي للتحدث حول أسس الثقافة المصرية المعاصرة.

في البداية قدم د.جمال الشكر إلى الأستاذة إكرام يونس مشرفة الصالون وإلى الأستاذة هانم ياسين المنسق وأخيراً شكر الدكتورة شيماء اسماعيل دكتوراه في علم النفس على إدارة الصالون.

ثم بدأ د.جمال الحائز على جائزة الدولة في العلوم الطبية وكذا نوط الامتياز من الطبقة الأولى من السيد رئيس الجمهورية…الفقرة الطبية بعنوان ” الجراثيم والمضادات الحيوية” …ليست الجراثيم Microbes بكتيريا..ولها تأثير خطير..أنواعها: الفيروسات ( أصغرهم حجما) تليها البكتيريا ثم الفطريات ( أكبرهم حجما). تظهر الفيروسات بالميكروسكوب كرأس الدبوس بالنسبة إلى البكتيريا التي تبدو كمجمع التحرير.

سبحان الله تعد الفيروسات من أجمل المخلوقات شكلا..تسبب أخطر الأمراض مثل: (كورونا- الكبد الوبائي – الايدز) …وفي الحقيقة ليست الفيروسات حية ‘ إنما هي مكونة من مادة جينية لا تنقسم ولا تتزاوج..فقط تتطفل على خلية حتى تنسخ منها.

تتعدد أشكال البكتيريا من هيئة: كور – عيدان- أو حلزونية.
الميكروبات التي تتخذ شكل حبيبات ؛ عددها اتثنين أو أكثر ‘ منفصلين أو ملتصقين ..لكل وضع أدوية معينة…
كما يصف الطبيب مضادات حيوية في حالة الإصابة بالبكتيريا ‘ ولا ينصح بها للمرضى بفيروس أو فطر.

الدرن من الميكروبات على صورة عيدان… وهو الداء الذي توفي على أثره مصطفى كامل…أما الميكروب الحلزونية ( جرثومة المعدة) فهو الوحيد الذي لا يستطيع العيش بدون حامض ويموت إذا خرج من المعدة.

ثم يضيف د.جمال أنه ليست كل البكتيريا ضارة’ فقد أثبت العلم أنه يوجد بالأمعاء عشرون نوعا من البكتيريا النافعة..لذا فإن الإفراط في تناول المضادات الحيوية يؤدي إلى قتل البكتيريا المفيدة داخل القولون.
يحتاج الزبادي إلى نوع معين من بكتيريا اللبن’ ويختلف الجبن الريكفورد من فنلندا إلى مصر حسب نوع الفطر..ويعد سر من أسرار الصناعة.
هناك نوع من أخطر أنواع البكتيريا ( المتوحشة) تتغذى على الأوعية الدموية فتقوم بمنع الدم عن منطقة معينة وتحولها إلى أنسجة ميتة وتأكلها..والحل الطبي : إجراء جراحة بترقيع الأماكن المصابة بالتاكل.

أخيراً هناك نوع من البكتيريا تحول السكر إلى كحول. ويستخدم في تخليل المخللات لأنه يعمل على تثبيت اللون والنكهة ويساعد على حفظ المخللات لفترة أطول.
يوجد كذلك كحول في الخل’ كما أن الكحول يدخل في دباغة الجلود.

أما الفطريات فهي مخلوقات بدائية منها عيش الغراب.

ثم حان الوقت للحديث عن مرتكزات الثقافة..استهل د.جمال مصطفى كلامه بأن الثقافة المصرية تتسم بتعدد الروافد ( الفرعونية- اليونانية- الرومانية – المسيحية – الإسلامية) لذا اتخذت الثقافة المصرية الطابع الروحي والإنساني المميز . والحديث عنها دعوة لفهم الحاضر واستشراف المستقبل… ان هذا ما دونه الذكاء الاصطناعي عندما طلب أن يكتب كلمة عن أعمدة الثقافة المصرية.
لذا يحاول العلماء والمثقفون ايجاد الطرق التي تحافظ على الثقافة في ظل العولمة التي دفعت بهم للتعبير عن هويتهم وإبراز دور الأدب والفن والتعليم ذلك الكنز الحضاري.

الأستاذ أحمد الجمال:
افتتح حديثه بتوجيه الشكر لسعادة السفير عبد الرؤوف الريدي رئيس مجلس إدارة مكتبات مصر العامة…
ويكلمنا عن بداية قراءاته لكتب لويس عوض وقد كتب عن بيكو الذي أجاد اليونانية والعبرية والارامية والفارسية وكون رؤية لاهوتية وما يتعلق بالإسلام المعجز….ويؤكد على رأي د.جمال بأن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل عقل ووجود الإنسان.
ويستكمل كلمته عن الثقافة والتاريخ… فالثقافة بمعناها المبدئي كل ما هو أدب وفن وموسيقى وبمعناها الواسع: أسلوب حياة من كيفية التصرف في شتى المواقف .

ثم يوضح معنى كلمة معاصر التي ترتبط بكلمة تاريخ…
عندما عاصر الأستاذ أحمد الجمال فترة أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات كان معنى معاصر ما سبق تلك الفترة بثلاثين سنة…ثم أصبح تفسيرها : ما يتاح من وثائق.

أما التأريخ : تدوين الأحداث اليومية وإعمال الادوات البحثية ثم محاولة استخلاص قوانين حاكمة..
والتاريخ عملية تفاعل بين التقني والمهني والأفكار…
ركز سيادته على كيفية قراءة التاريخ والتعلم من دروسه.
ثم يشير إلى أن دعاة إلغاء التاريخ ظهروا نتيجة خلط منهج التاريخ بالآثار وتكديسه فأصبح يتحتم على الطالب الحفظ والتسميع أثناء الامتحان.
وفي تحليل دقيق يقول ا.أحمد إن الجغرافيا تاريخ ثابت والتاريخ جغرافيا متحركة.
لذا يستلزم الأمر ربط التاريخ في سياق متصل منذ مراحل ما قبل التاريخ إلى اللحظة الراهنة بكل المنعطفات…ويعطي مثالا على من صنع تاريخه بالمكان…الإنسان المصري…الذي أدرك أن هناك دوراً للحياة أثناء الزراعة ومن خلال دورة الحياة عرف الجغرافيا وفكر في الغيب.
الإنسان المصري متدين ومنظم فكرياً ‘ كما أنه يقمع السلطة المركزية يطبق قوانين العدل في منظومة اجتماعية متماسكة كي لا تهاجم فيروسات الجهاز الخارجي جهاز المناعة الوطني.
ومصر من الدول التي تضم المسيحية والإسلام الوسطي ‘ يقول الله تعالى في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم
” لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين” الآية (٨)الممتحنة ذكر الله البر للوالدين وللمسيحيين.
كما ضمت مصر المتصوفون : سيدي براني وسيدي بشر وسيدي كرير وابي العطاء السكندري والإمام البوصيري وابي الحسن الشاذلي..
ووضع الأولون نظم الري والزراعة والبناء الهندسي..

ومن الحضور …
يعلق الكاتب الكبير نبيل عبد الفتاح على حديث أ. أحمد بأنه متكامل وشيق وان الاستقرار وسيادة الدستور أمران مهمان للحفاظ على وحدة الدولة والأمة..وان كلمة الهوية بدأت تصعد في السبعينيات … ومن متطلبات التقدم إعادة الاعتبار إلى مفهوم التجديد الذي بدأ من منتصف القرن الثامن عشر ورحلات رفاعة الطهطاوي لفرنسا..كذلك تنشيط السياسة الثقافية والنظر إلى الإسلام بمنظور أوسع من أنه سلطة دينية فقط.
والتعليم والإعلام والثقافة لاستعادة دورنا الفكري…

ويعقب كذلك الكاتب نبيل عمر وقد كان من الحاضرين ..بقوله إن مصر تمتلك إمكانيات ثقافية عالية لكنها لا تظهرها وذلك بعدم توظيفها في مكانها الصحيح فالحارة المصرية التي نشأ فيها شاب عاطل في فيلم العزيمة يحاول ايجاد مخرجاً…تصوره السينما الآن كلبطجي يتناول المخدرات وتؤطره هكذا فقط.
وللتغلب على ذلك ضرورة تعليم المشاهدين كيفية التغلب على المشكلات…والتعليم في معناه العام استثمار في أي مجتمع.

الأستاذ الدكتور أسامة طلعت:
يرى كمواطن مصري إن الجغرافيا هي التي تصنع التاريخ ‘ ورأيه إن النيل هبة مصر من قبل ان يسمعها من غيره..
وان المصري القديم أدرك بذكائه حدود وأبعاد بلده…
كما أنه عرف الكتابة التي بدأها برموز…عاش المصري في مجتمع متماسك حضاري متطور من قرية الي مركز ثم دويلة …

ويقترح أن يعاد صياغة منهج التاريخ الذي درسه في مراحل تعليمه لانه كان ثرياً..وللفت الإنتباه إلى تاريخنا يشجع على زيارة متحف الحضارة ؛ فالإنسان المصري القديم مؤمن بإله بفطرته السوية ويشهد على ذلك بناءه المقابر في الغرب لتدل على العالم الآخر ‘ أما الشرق فقد أنشأ فيه منازل.

ويؤكد سيادته على تسجيل الآثار ؛ رأس نفرتيتي لن ترجع لأنها لم تسجل قبل خروجها…وكثير من التراث المعماري الباقي لم يسجل بعد…ودورنا أن نحافظ على اثارنا…

ويضيف أن معنى التراث كما حدده اليونسكو سنة ١٩٧٢ إما ثقافي أو طبيعي والثقافي مادي مثل الاهرامات ولا مادي مثل الأغنية لمطربين أمثال ام كلثوم أو عبد الوهاب…
والتراث الطبيعي تمثله الحفريات أو الغابة المتحجرة بالمعادي.

ويحدثنا ا.د أسامة طلعت أنه أثناء عمله بالآثار تقدمت منطقة وسط القاهرة بطلب تسجيل اسدين قصر النيل كأثر بناء على إفادة أنه منذ عام ١٨٧٠ لكنه تأكد أنه بني خلال عامي ١٩٢٨ و ١٩٣٠..فرفض الطلب..لم يمر عليهما ١٠٠ عام …أيضا الاسود لن تسرق…

تساءل د.جمال مصطفى عن كيفية معرفة اثار ما قبل العصور التاريخية!
فأجابه د.أسامة بأن الأرض تتكون من طبقات وكل عصر له علامة في الطبقة التي تخصه حتى نصل أثناء الحفر إلى virgin soil ..

ويعلق الأستاذ الدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ من الحضور بأن تعريف التاريخ بتفاصيله وتعريف جذور الشخصية المصرية للشباب تؤصل فيهم حب جملة انا مصري..
فالإنسان المصري يتسم بصفات نادرة فهو متدين بفطرته وسطيا ومنتمي لأرضه وصبور إلى جانب أنه قادر على التحدي والانجاز…لكن أصبح التفاخر بالتعلم في مدارس دولية والتفاخر بالتحدث بلغة أجنبية أمرا شائعا..علينا تدارك الأمر لأن الوضع الآن هو استهداف مرتكزات الثقافة : الدين ‘ اللغة التراث والعادات…
ويضيف د.اسامة إن الأمر يزداد سوءا بتزوير التاريخ في الذكاء الاصطناعي..وسيكتسب المعلومات المشوهة من لا يعرف…

ومن الحضور أيضاً
الدكتور لواء اركان حرب محمد الشهاوي:
الذي أكد على أهمية القراءة حتى لا تتغلب وسائل التواصل الاجتماعي على الكتب لتصبح مثل أسلحة الدمار الشامل..فالقراءة لمواجهة سبل الاستهداف على مصرنا الحبيبة…ولدينا من الإرادة التي تواجه هذا..تلك الإرادة التي أعادت عبد الناصر بعد قرار التنحي..

والاستاذ سيد موناليزا صاحب مكتبة:
وقد أكد على أهمية التاريخ وتوظيف الخريجيين لاستثمار الطاقة..

كما علق سيادة المستشار محمد شرين إن قانون ١١٧ لسنة ٨٣ يحتسب مرور ١٠٠ سنة من تاريخ الواقعة محل البحث واعتبارها أثر…
الأثر يعد أثرا بقيمته سواء مادي أو غير مادي وإن لم عليه ١٠٠ عام..
ويشعر بالأسف لأن ترتيب مصر ٣٩ من ١٩٤ دولة كقوة ناعمة في حين تصدرت دول -لم تذكر حتى ستينيات القرن الماضي -المركز السابع مثلا ..ولمصر فضل على العالم بحضاراتها ؛ بنت دول عدة ثقافتها على أسس مصرية..ويتمنى الحديث عن الجديد الذي نقوم بفعله بتعديل سلوكيات المواطن ودراسة الظواهر الدخيلة علينا ووضع حلول لها..

ثم قالت المواطنة المصرية ناهد عبد العزيز إن مصر من اختيار ربنا …تحتوي الآثار والمناخ والغذاء..حفظ الله مصر..

وفي الختام تم الإعلان من قبل الدكتور رزق الجهادي عن صدور كتابه الدولة الوظيفية ضمن اصدارات معرض الكتاب…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى