التوحد: فهم وتحديات الاضطراب النمائي الشائع
بقلم / محموددرويش
التوحد هو اضطراب نمائي معقد يؤثر على طرق التواصل والتفاعل الاجتماعي لدى الأفراد المصابين به. على الرغم من أنه لا يزال غير مفهوم بالكامل، إلا أن الأبحاث والدراسات المستمرة قد ساعدت في زيادة الفهم حول هذا الاضطراب وطرق التعامل معه. في هذا المقال، سنستكشف طبيعة مرض التوحد، والعلامات والأعراض المرتبطة به، بالإضافة إلى المقاربات العلاجية والدعم المتاح للأشخاص المصابين به وأسرهم. من خلال هذا الفهم المتعمق، سنتمكن من المساعدة في تحسين جودة الحياة للأفراد المتأثرين بهذا الاضطراب النمائي المهم.
التوحد “Autism” ذاك المصطلح العميق الذي يحمل الكثير الكثير من الغموض والدهشة من أكثر المصطلحات التي تثير اهتمامي في مجال تخصصي إلى جانب التخاطب
.مع انتشار طيف التوحد قد اكون في غنى عن التعريف به هنا، لكنه حسب الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين ومنظمة الصحة العالمية يعرف بأنه اضطراب نمائي شديد في نواحي متعددة، ويتضمن مجموعة من ثلاثة أعراض أساسية وهي قصور في التفاعل الاجتماعي المتبادل وقصور في التواصل اللفظي وغير اللفظي وظهور سلوكيات نمطية. إن تعريفه أعمق من هذا وأكثر غموضا في ذات الوقت، لم أكن بهذا القرب من أطفال التوحد خلال فترة التدريب في مركز دكتورة نهلة الرفاعي رئيسةوحدة التخاطب بمستشفي الدمرداش.
قبل أن أخوض واحده من أكثر التجارب دهشة في هذا حياتي وهي الدخول إلى هذا العالم وكم كنت أتوق إليها.
إذ شاء القدر أن المركز الذي تدربت فيه خلال شهرين كان معظم الأطفال فيه إن لم يكن جميعهم مصابين بالتوحد، كانت هدية من السماء وهدايا السماء لا ترد. بالطبع كان اليوم الأول هو الأصعب كما كان آخر يوم لكن بين هذين اليومين خضت تجربة أثارت دهشتي لا تستطيع كل كلمات الكون أن تصفها، وتعلمت من أطفال التوحد ما كانت الحياة أبخل من أن تعلمني اياه بالشكل الصحيح.
إن أهم صفة في أطفال التوحد هي البراءة، ذاك النقاء الذي لن تجده في مكان آخر بتاتا. لا يعرف معنى الكذب أو الخداع في عالم مليء الأقنعة حد التخمة، أقنعة أنت نفسك ترتدي منها اثنين على الأقل يوميا رغم ظنك أنك صالح واستحالة أن تفعل شيء كهذا، لكن كيف لك أن تدرك وكل شيء يشي بأن الأمر طبيعي وحدها تجربتي مع أطفال التوحد أخبرتني كم يوجد سواد في داخلي كنت أظنه نقاء.
لمن لديه طفل من أطفال التوحد أو خاض تجربة معهم أو حتى قرأ عنهم سيكون على علم أن لديهم “سلوكيات نمطية” تتمثل بعمل حركات معينة بشكل متكرر أو إصدار أصوات أو حتى الدندنة وذاك في إطار نمطية معينة وبصورة متكررة وغير طبيعية يقوم الأخصائي بمحاولة التخلص منها عن طريق تعديل السلوك، ما لا تعرفه أن طفل التوحد يشعر بالراحة عند قيامه بها، فهي تدخله إلى عالمه الخاص بعيدا عن تلوث الكون حوله وما سيدهشك أنك لن تنزعج منها بشكل شخصي وأحيانا قد تشعر أنت ذاتك بالراحة تجاهها. أصبحت انظر إلى هذه السلوكيات بمنظور جديد ماذا لو استطعت أن أتبع نمطا معينا أو سلوك ما لا هرب من عالم أقل ما يقال عنه أنه مخيف؟ أحيانا كثيرة نحتاج أن نبتعد عمن حولنا والأهم أن تسكت صوت الأفكار في رأسنا تبدو طريقة ناجحة للقيام بذلك أمر يستحق التجربة.
الحب غير المشروط، أهم درس تعلمته إضافة إلى نقاء قلوبهم فإنهم يحبونك دون مقابل ولكن كل منهم على طريقته هم لا يعبرون بالطريقة التقليدية مثلنا وهذه مميزة أخرى لهم. أذكر أنه في اليوم الأول قال لي أحد الأطفال “احبش” ثم وضع يده أمامي لا قبلها، لا أنكر استغرابي ولكني أحببته بعد مدة أدركت أن هذه هي طريقته ليقول لك أنه يحبك.
إن الحديث عن شغف التجربة لا يمكن أن يلخص في كلمات ولكن أصدقائي يدركون كم كانت التجربة مدهشة وممتعة فأنا كنت لا أنفك أتحدث وأتحدث وأتحدث عن كل شيء، كما كنت أقتبس سلوكيات وكلمات بعضهم أحيانا؛ أحدهم كان يعيد بعض الجمل التي حفظها لكثرة ما سمعها بشكل مفاجئ أو إذا قمت بحركة معينة مثل “الو، كيفك؟ كيف الصحة؟” كنت ولا زلت لا أنفك عن قولها مثله تماما وأنا أشعر ببهجة الكلمات على لساني. أحببتهم جميعا لكن بعضهم أخذ حيزا خاصة في قلبي مثل طفل كان يناديني “زود” بدل “جود” الآن كلما أردت أن أعلم طفل اسمي أخبره أن يناديني “زود”.
إن كنت أما لطفل توحد أود أن تدركي أنك أم عظيمة تعيش تجربة فريدة ومدهشة مليئة المفاجآت، أنصحك بأن تدوني كل لحظات الحب لطفلك كما فعلت أنا خلال تجربتي كنت أكتب كل كلمة أسعدتني أو تصرف أضحكني أو أدهشني مثل أن أحدهم انتبه لجرح صغير للغاية في يدي وسأل عن سببه بكل حب العالم وعطفه. لقد احتفظت بكل شيء حتى خربشاتهم صنعت من بعض منها فاصل كتاب، لن تتخيلي مقدار سعادتي وأنا أعيد قراءة المذكرات ولا حتى نقاء ابتسامتي عندما أفتح الكتاب فأجد خربشاتهم ورسومهم أمامي. كل هذه الأمور البسيطة هي أثمن مدخراتي لأيام الخواء التي لا يحتاج المرء فيها إلا إلى قليل من هذا الحب النقي. لكل أم لديها طفل توحد أهنئك من أعماق قلبي أنك جزء من عالمهم ولعبتهم