مختارات

أرض الشيخ مسعود 

مصطفى فرج الطبولي

 

السماء تنفر السحب للتبجح أمام الأرض بكامل زرقتها، والحمام البري يراوغ  يمنة، ويسرة مخالب الصقر، حتى أنك تشاهد الطائرات، وهي تزين ببخار محركاتها ابتسامة الشمس، وتخلق على ميول السماء أمواجا من الزبد، وحلقا كفقعات اللبن، عند التفاتتك ترمق  الثعالب المتوجسة في جحور الوادي تركض لوهلة ثم تصفن منتصبة الأذنين تنصت إلى الشيخ مسعود، وهو يهمهم كالخيول الجائعة، يقطف مشمرا عن يديه رؤس الحصاد، يمسح حمو الغضب بطرف ” جلابيته” المخضبة بالتراب، هذي أرضنا “وارثينها من بونا، وجدنا” يتمتم بشيء من الخوف أخرج منها جنازة، أو أعمر كزيتونها، وأثبت كرسم حدودها، أتريد أن تلبس بياض لحيتي عار الانحناء يا ” حسونة” السمح، يُصاب بدهشة من غبار الشعيرالمتطاير أمام أنفه النابض بالكبرياء، يضرب بيده أضلع صدره، يتحسس جذع الشجرة، يرخي ارتجاف كتفيه على العشب المصفر كحدقتيه، محاولا تهدئة السعال، وأزيز القلق المتعال، يحدث ابنه رزق الله، وهو يرسم هلالا، ونجمة على الأرض المعصومة، اسمع أنتَ أتسمعني يا “بغل”، يمثل ذهن الابن بولاء الجنود، وخشية الغضب الموعود ليتأمّل تراتيل الإرث، وأساطير النسل، جدّك كان فارسا مغوارا، مهيبا، وجبارا، في ساعة ماضية أعتقد في السبعينات !  عندما دخل “جد” حسين المرعوش ! بأغنامه يقول بأنه لا يقصد لكنه يكذب، ويلون الأحاديث كأبنه. ضربه أبي “بالبالة” على وجهه فقطم أذنه اليمنى، ولولا سرعة محاشاته لأرداه طريحا يشم “سميد” الدجاج، تنبع ابتسامة فخر تسقي ثغفر الشيخ مسعود، يعكسها زوال الشمس لتباشر أعين رزق الله، يرتب بعثرة شاربيه، يهمس للأرض الله يرحمك يا ” باتي”، ثم يكمل حكايته بسخرية: من تلك الحادثة كُتب عليهم لقب عيت ” قطيم”، يتنحنح للحظة يتسلق  تقاسيم وجهه الشاحب سؤالا مخجلا، مرميا كلمات استنقاص في وجه رزق الله، لماذا تتغيب عن المسجد هذه الفترة إياك أن تترك المسجد فقد افتقدك مريوح، يرددها بسبابته الملوحة في الفضاء، ولعابه يسيل بحنق فيثير لمعة تليّن لحيته !

( رد بالك يا وليدي أهم شيء توري وجهك للجماعة ولو بعد مدة ما تخليش الألسنة ترقى على ظهورنا اذّكر أهم شيء توري وجهك ) ؟!

 

دهس رزق الله استغرابه تحت قدمه يشق طريقه إلى مسجد القرية ينفض الشعير عن شعره المجعد

متأبطا كتابه الأوحد “فرسان بلا معركة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى