غير مصنف

المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر.. مالها وما عليها

محمد حمود

تنقسم المساعدات الأمريكية لمصر إلى حزمتين من المساعدات “الاقتصادية والعسكرية” سنوياً، والتي بدأت واشنطن بها بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1978. ويبلغ المبلغ السنوي لهذه المنح 2.1 مليار دولار، منها 1.3 مليار مساعدات عسكرية و800 مليون مساعدات اقتصادية.

وتتضمن حزمة المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، جزءا غير مشروط بقيمة 980 مليون دولار، وجزءا مشروطًا باحترام حقوق الإنسان بقيمة 320 مليون دولار. ولذلك فإن المساعدات الأمريكية السنوية لمصر ليست ثابتة، ويتم تحديد مقدارها كل عام وفقا لرأي ومقترحات أعضاء الكونغرس الأمريكي.

 

*المساعدات الأمريكية بين المؤيد والمعارض

وبينما وصل حجم المساعدات الأمريكية لمصر منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد إلى أكثر من 80 مليار دولار، يرى بعض الخبراء الاقتصاديين والعسكريين ضرورة إجراء إصلاحات في شروط تلقي هذه المساعدات المالية. ويعتبر هؤلاء أن إدراج بند “بشرط تحقيق التقدم في مجالات الإصلاحات والديمقراطية” هو نوع من ورقة الضغط التي يستخدمها الكونغرس ضمن العقد الإتفاق المُبرم مع القاهرة وذلك تلبيةً لنهم اللوبي اليهودي لـ”إذلال وإهانة الشعب المصري”. وبطبيعة الحال، يؤكد فريق آخر من الخبراء أيضًا على أهمية الحصول على هذه المساعدات لتحقيق التقدم الاقتصادي في مصر.

ويرى معارضو اعتماد مصر على المساعدات الأمريكية أن أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، يطالبون كل عام، عند مراجعة تقديم المساعدات الأمريكية لمصر، وتحت ذرائع مختلفة، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان، بتخفيض هذه المساعدات أو إنهائها ما لم تتوفر الشروط التي يريدونها. ولذلك فإن هذه المساعدات تمثل دائماً وسيلة للضغط لتحقيق المصالح السياسية الأمريكية وشكل من أشكال الابتزاز للشعب المصري. ونظراً لأن حجم المساعدات الخارجية لمصر لا يتجاوز 2% من إجمالي الدخل القومي للبلاد، يسعى بعض النواب إلى تقديم خطة لقطع هذه المساعدات.

خلال العام المنصرم، أثناء مراجعة المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، اتُّهمت القاهرة بانتهاك حقوق المعتقلين السياسيين، ونتيجة لذلك اقترحوا حجب 235 مليون دولار من المساعدات العسكرية.

وأعلنت هذه اللجنة أنه إذا لم تتّخذ مصر خطوات ملموسة وهادفة ومستدامة لتحسين وضع حقوق الإنسان والسجناء السياسيين، فسيتم حذف هذا المبلغ بشكل دائم من المساعدات الأمريكية المشروطة لمصر.

في السياق قال الدكتور عادل سليمان، اللواء المتقاعد والخبير العسكري والإستراتيجي، عن احتمال عدم تلقي مساعدات عسكرية أمريكية لمصر: “إن هذا الموضوع قد يكون صعباً على الشعب المصري، ولكن الأمر بالتأكيد ليس مستحيلاً”. وأوضح أن قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر تبلغ 1.3 مليار دولار، لكن هذا المبلغ لم يكن متاحاً لمصر بشكل مباشر أبداً وبموجب العقد يجب إنفاقه على شراء أسلحة ومعدات أمريكية. وبعد ذلك يضطر الجيش المصري إلى الاستعانة بخدمات التدريب والدعم والإصلاحات وغيرها التي يقدمها الأمريكيون.

وبدلاً من ذلك، فإن الولايات المتحدة تدعم مصانع أسلحتها، وتحصل على العديد من التنازلات من مصر مقابل تحركاتها العسكرية في المنطقة، ولا يمكن لمصر الاعتراض على هذه العمليات العسكرية، حتى لو تعارضت هذه الأعمال مع المواقف المحايدة والمستقلة للحكومة المصرية.

ويرى الدكتور سليمان أن هذا المبلغ له قيمة عندما تتمتع الحكومة المصرية بحرية إنفاقه. ولكننا الآن جعلنا الجيش معتمداً على أسلحة ومعدات الأمريكية. على سبيل المثال، وفقاً لنوع مهام الجيش المصري، بدلًا من شراء دبابة من شركة جنرال دايناميكس، يمكننا شراء دبابات أكثر ملاءمة من دول أخرى. إن الاعتماد الكامل على نوع واحد من المعدات يجعل الجيش ضعيفاً للغاية.

وبعد استقلالها عن الاستعمار البريطاني في 28 فبراير 1922، ظلت مصر تعتمد على البريطانيين لأن أسلحة ومعدات الجيش بريطانية، حتى عام 1955، أي بعد ثلاث سنوات من ثورة 23 يوليو 1952، قررت تجربة شراء واستخدام الأسلحة الروسية. ومع إبرام اتفاقية كامب ديفيد في عام 1978 وإجبارها على تنفيذ أحكامها، بدأت مرة أخرى في عام 1981 عملية تبديل الأسلحة الروسية إلى الأسلحة الأمريكية.

وقال مصطفى الفقي، أحد النواب السابقين في البرلمان المصري، فيما يتعلق بالمساعدات الأمريكية لمصر، إن المساعدات المشروطة كانت دائماً ما تتسبّب في فقدان كرامة وعزة الحكومة والشعب، ولا يمكن قبول هذا الأمر نهائياً. وعلى وجه الخصوص، فقد تحوّلت هذه المساعدات أيضا الى أداة لتدخل إسرائيل في العمليات العسكرية الإستراتيجية.

وقال المفكر الإسلامي “فهمي هويدي” عن المساعدات الأمريكية لمصر: إن هذه المساعدات كانت متضمنة في هذه الاتفاقية منذ البداية لكي تمارس أمريكا ضغوطها التي ستصب دون ريب في صالح إسرائيل. ولا ينبغي لأي دولة أو حكومة محترمة أن تعيش على المساعدات الخارجية، لأنه لا يوجد شيء اسمه مساعدات مجانية، ومن المؤكد أن مصر تدفع تكاليف أعلى بكثير لمخططات تآمرية تحيكها أمريكا وإسرائيل، وأصغرها المشاركة في حصار أهالي غزة.

وأشارت الدكتورة منار “الشوربجي” أستاذة العلوم السياسية إلى أن المساعدات الأمريكية مجرد أداة للابتزاز السياسي وقالت: “أليس من الأفضل استبدال ربع الدخل السنوي لقناة السويس بهذه المساعدات وإزالة عبء هذا الإذلال السياسي عن عاتق الشعب المصري؟” إن الدولة التي يمكنها جمع أكثر من مئات المليارات من الضرائب ومن النفط والغاز الطبيعي والسياحة وما إلى ذلك في عام واحد فقط، يمكنها أن تقاوم و رفض تلقي هذه المساعدات المهينة.

وكتب مصطفى بكري، الخبير في الشؤون السياسية، في أحد مقالاته أنه وفقا لتقرير مكتب المحاسبة التابع للحكومة الأمريكية، فإن أمريكا حصلت على فوائد عديدة من المساعدات العسكرية لمصر، بالإضافة إلى الحفاظ على السلام بين مصر وإسرائيل ومنها الحصول على رخصة طيران للطائرات العسكرية في الأجواء المخصصة للطائرات العسكرية المصرية.

وفي الفترة بين عامي 2001 و2005، سمحت مصر للطائرات العسكرية الأمريكية بالمرور عبر الأجواء المصرية 36553 مرة. شهدنا خلال تلك الفترة بدء الحرب الأميركية في أفغانستان عام 2001 وفي العراق عام 2003. وفتحت مصر، خلال العام الماضي، مجالها الجوي أمام مرور المقاتلات الأمريكية نحو 2000 مرة. علاوة على الرخصة بالمرور الفوري للسفن الحربية الأمريكية عبر قناة السويس (بين عامي 2001 و2005) وهو الأمر الذي تكرّر 861 مرة. واضطرت مصر إلى توفير الحماية الأمنية اللازمة لهذه السفن الحربية. وأيضاً، لم يكن مطلوباً من السفن الأمريكية التي تحمل أسلحة نووية (سواء كانت سفن أو غواصات) إخطار السلطات المصرية قبل 30 يوماً من مرورها عبر قناة السويس.

كما كان شراء المعدات العسكرية من الولايات المتحدة أيضا أحد المزايا لهذه المساعدات. وفي الفترة من 1999 إلى 2005، قدمت الولايات المتحدة لمصر نحو 7.3 مليار دولار في إطار برنامج المساعدات المالية العسكرية، وأنفقت مصر نحو نصف هذا المبلغ، 3.8 مليار دولار، لشراء معدات عسكرية ثقيلة من أمريكا.

لو أخذنا بعين الإعتبار الخدمات التي تقدّمها الدولة المصرية لأمريكا مقابل الحصول على هذه المساعدات، يمكن القول على وجه اليقين أن خسارة مصر أكبر بكثير من ربحها في هذا العقد. وعلى وجه الخصوص، لكي تعود مصر إلى مكانتها السابقة في العالم العربي وتعيد إحياء دورها القيادي، من الضروري أن تكون قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة في المواقف الحساسة من قبيل الوضع الماثل في غزة. بينما ترزخ في الوقت الراهن تحت وطأة العديد من القيود، حتى أنها غير قادرة حتى على تلبية طلب ودعوات شعبها في دعم الشعب العربي والمسلم في غزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى