السوشيال ميديا .. القاتل الصامت!
بقلم / محمد عبد الجواد
(( اسألوا عني فقد أنهكني المرض وأنتم لا تشعرون )) .. جملة مرعبة قرأتها في بوست لصديق على فيسبوك كانت هي سبب هذا المقال بعد أن صار الغالبية العظمى من البشر وخصوصا في مجتمعاتنا العربية عبيدا لمواقع السوشيال ميديا أو التواصل الاجتماعي التي أصبحت بعيدة كل البعد عن التواصل الاجتماعي بل أراها سكينا حادا يقطع العلاقات الإنسانية والاجتماعية بعنف وبلا رحمة.
أضرار التقدم التكنولوجي قد تكون أكثر من نفعه لأنه مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي تم ضرب العلاقات الإنسانية في مقتل وتحولت السوشيال ميديا إلي قاتل صامت لا يعرف الرحمة ورويدا روايدا أصيبت العلاقات الإنسانية بين البشر بتيبس في أعصاب التواصل وجمود في شرايين التقارب وضمور في مخ التراحم .
فقبل ظهور هذه الأدوات التكنولوجية كانت علاقات البشر قائمة على الاتصال المباشر في الأفراح والأطراح وفي المسرات والابتلاءات .
كان الكل حريصا على الحضور بشخصه للتهنئة بالزواج والمواليد وبالنجاحات الدراسية وبالترحيب بالعائدين من السفر سواء للعمل أو الدراسة أو الحج والعمرة وحتى في زيارة المرضى وحضور الجنازات وتقديم واجب العزاء وكان يتم توزيع دعوات الأفراح مطبوعة باليد مغلفة ببوكيه من الحب والود وكان يتم الاعلان عن حالات الوفاة عبر مكبرات الصوت في المساجد.
تواصل البشر قبل ظهور السوشيال ميديا كان يغلب عليه المحبة والتراحم والتكاتف والتكافل فمن يذهب إلى أي مناسبة سعيدة مما ذكرناه كان يحمل معه زيارة من كل الخيرات من سلع تموينية وفاكهة وشيكولاتة وحلويات ويقدم مظروفا فيه مبلغا من المال يسمى النقطة وكل حسب استطاعته كهدية ونوع من المساعدة والتكافل الاجتماعي الذي يحكمه العرف المتوارث وقانون التكافل الاجتماعي غير المكتوب الذي وضعه البشر لأنفسهم خلال نمو وتطور العلاقات الانسانية من أجل مد يد العوان للجار والقريب والصديق صاحب المناسبة.
أما الآن فالتهنئة بالزواج و بالمولود وبالنجاح وحتى تقديم واجب العزاء بل وعيادة المريض كل هذا يتم عبر فيسبوك وإكس وإنستجرام وكأن الحياة تصلبت وتوقفت وأصيبت بالشلل الرباعي وشيئا فشيئا جفت بحار الود وتكسرت براويز جبر الخواطر وذبلت أشجار المحبة وتجمدت أنهار التراحم التي كانت متدفقة قبل ظهور هذه المواقع التي قتلت كل الصفات الحميدة في البشر وأصبحنا يوميا نرى موقع التواصل تحولت إلى سرادقات عزاء في حالات الوفاة وصالات أفراح عند الخطوبة والزفاف وأشبه بالمستشفيات عند المرض ويتم تريد جملة باردة ومملة وبلا روح من شاكلة ألف مبروك .. البقاء لله .. ألف مليون سلامة. شفاك الله وجميعها عبارة عن اكليشيهات بلا روح وثابتة لا تتغير بتغير الأشخاص والأحداث والأماكن والظروف .
مواقع السوشيال ميديا مع التطور التنكولوجي والذكاء الاصطناعي لم تعد اسما على مسمى وحكمت على أجمل الصفات البشرية بالإعدام وأصبحت وسيلة لقطع العلاقات الإنسانية والتنافر والتباعد والقطيعة وتحولت إلى وحش كاسر في التشهير والابتزاز وكم من بريء دفع حياته ثمنا للجرائم التي ترتكب عبر هذا الفضاء الإلكتروني السام وأخرها طالبة الطب البيطري بجامعة العريش وهي القضية التي يجري فيها التحقيق حاليا.
نعم العالم تحول إلى قرية صغيرة بفضل التطور التكنولوجي ولكنه سلب منا أجمل ما فينا وأصبح أفراد الأسرة يعيشون مثل الغرباء داخل المنزل فالأب والأم والأبناء كل منهم يعيش داخل غرفته مع الموبايل أو اللاب توب أو التاب منفصلا عن كل ما حوله ولايعرف شيئا عن المحيطين به وباتت العلاقات بينهم شبه مجمدة وقد لا يرون بعضهم إلا في لحظات عابرة خلال دخول المنزل أو الخروج منه أو لحظة الذهاب إلى الحمام حتى موائد الطعام داخل البيوت لا يتجمع عليها أفراد الأسرة إلا نادرا وكل فرد أصبح يأكل إما على سريره داخل غرفته أو خارج المنزل مع الرفاق والأصدقاء .
نحن الآن ومع دخول شهر رمضان نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى هجر السوشيال ميديا ولو جزئيا وبشكل تدريجي والسعي الجاد للعودة إلى حياتنا الطبيعية السوية القائمة على الحب والود والتراحم والتكافل والتقارب لأن استمرار السباحة في بحار السوشيال ميديا العميقة ستقودنا حتما إلى الغرق وستحول الغالبية منا إلى أموات على قيد الحياة.