بقلم الدكتور مدحت العزب / كاتب وطبيب مصري
رغم أن مصطلح” الذكاء الاصطناعي ” قديم نسبيا ،حيث يرجع إلى العالم ” مارفن منكسي الذى كتب عام ١٩٦١م مقالا بعنوان ” خطوة نحو الذكاء الاصطناعي Step Towards artificial intelligence” ،الا انه ومع التقدم المذهل فى مجال الحاسوب و علوم المعلومات و البيانات، و التكنولوجيا الصناعية المتقدمة، ومع النمو الهائل للاقتصاد العالمى فى جميع المجالات الصناعية و البيولوجية والاتصالات، فقد طرأ تطور هائل فى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كأحد علوم التكنولوجيا، وزاد فى الآونة الاخيرة الاهتمام وإلقاء الضوء على الذكاء الاصطناعي ومجالات وافاق استخدامه .
وللذكاء ،بشكل عام،تعريفات كثيرة يمكن اجمالها فى التعريف التالى” انه القدرة على التعليم وفهم الأشياء ،وتحليل البيانات والمشكلات والأرقام، والقدرة على الإبداع وحل المسائل، مع القابلية للتحسين و القدرة على الاستنتاج. ”
ومن هنا يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي على ” انه قدرة الآلة على محاكاة العقل البشرى ،و طريقة عمله من قدرة على التفكير ،واكتشاف و الاستفادة من التجارب السابقة. ”
أى أن الذكاء الاصطناعي ،هو ذكاء من صنع الانسان، فى صورة مشاكلة آلات معقدة ،تستخدم خصائص الحاسوب ،و تنفذ العديد من المهام مثل البشر ،و تملك هذه الآلات رد الفعل feed back و تتمتع بالقدرة على إعادة تصميم نفسها ،و كذلك بحواس وقدرة حسية ،أى انه يمكن اختصار مفهوم مصطلح الذكاء الاصطناعي ” انه دمج الذكاء البشرى داخل آلات”.
وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي هى تكنولوجيا من صنع الانسان، لخدمة و رفاهية الانسان ،وليس تدميره أو اضراره.
الإ أن التمادى فى استخدام هذه التقنية أو إساءة استخدامها فى مجالات ضار ة أو محاربة للانسان ،يمكن أن تؤدى إلى كوارث تدمر البشرية نفسها ،كما حذر ” ستيفن هوكنج ” ،وكما قال ” ايلون ماسك ” فى تغريدة شهيرة: ” الآلات هى من تنتصر فى النهاية”،
مما يتطلب وضع معايير أخلاقية لإستخدام الذكاء الاصطناعي، و وضع ميثاق دولى ملزم لأخلاقيات وحوكمة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مما يحفظ للبشرية أمنها وسلامتها.
وقد كانت المملكة العربية السعودية ،على وعى تام بأهمية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، و لذلك كانت حكومتها الرشيدة سباقة فى انشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي”سدايا” Saudi data&artificial authority،والتي أنشأت بأمر ملكى فى ٣٠ أغسطس ٢٠١٩م،وترتبط مباشرة و يترأس مجلس إدارتها رئيس مجلس الوزراء سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، و يتبعها ويلحق بها ” المركز الوطنى للذكاء الاصطناعي ” و مكتب إدارة البيانات الوطنية ،و يرتبطان بالهيئة تنظيميا.
وقد جاء انشاء هذه الهيئة بناء على الرؤية الطموحة للأمير الطموح صاحب السموالملكي ولى العهد محمد بن سلمان، للمملكة ٢٠٣٠ ،و لتحقيق تطلعات هذه الرؤية فى سبيل تحقيق نهضة حضارية شاملة للمملكة اقتصاديا و صناعيا و تكنولوجيا و مجتمعيا ،تجعل المملكة فى مقدمة الدول الكبرى المتقدمة ،و تحقق المعايير والمستهدفات فى مؤشرات التقدم العالمية على كافة الأصعدة.
و من إنجازات المملكة فى هذا المجال ،حصولها على المركز الأول عالميا فى مؤشر،الاستراتيجية الحكومية للذكاء الاصطناعي، وهو أحد مؤشرات التصنيف العالمى للذكاء الاصطناعي الصادر عن ” تورتويس انتيلجينس ” والذى يقيس اكثر من ٦٠ دولة ،وحلت ألمانيا ثانية ،والصين ثالثة.
ويقيس هذا التصنيف اكثر من ١٠٠ معيار ضمن سبعة مؤشرات: الاستراتيجة الحكومية ،البحث، والتطوير ،الكفاءات ،البنية التحتية، البيئة التشغيلية، والتجارة ،و نالت المملكة المركز الأول فى مؤشر الاستراتيجية الحكومية للذكاء الاصطناعي، والمركز ٣١ فى اجمالى مؤشرات التصنيف.
ولم يأت هذا التطور الكبير من فراغ،فقد كان من أهداف هيئة ” سدايا حين إنشاؤها::
-اعداد و تنفيذ برامج و مبادرات تطوير المهارات فى مجال البيانات والذكاء الاصطناعي.
-بناء و تأهيل وإعداد الكوادر والقدرات الوطنية البشرية فى هذا المجال.
-المساهمة فى تحقيق” رؤية السعودية ٢٠٣٠” من خلال تحقيق أعلى مؤشرات التقدم التكنولوجى والمعلوماتى ،واستخدامه فى المجالات الاقتصادية و الصناعية والبنية التحتية ،و تحقيق مكانة متقدمة للمملكة فى المؤشرات العالمية فى هذه المجالات.
-تعزيز الشراكة مع الجامعات والجهات الأكاديمية داخل المملكة وخارجها ،فى مجال التدريب و بناء القدرات و تطوير البرامج.
–مكين الشركات والهيئات و الجهات المختلفة من تحقيق أهداف التقدم التكنولوجى.
وقد استطاعت هيئة “سدايا”تحقيق الهدف من إنشائها،وحققت العديد من الإنجازات،حيث
قامت الهيئة فى ٢٦ مارس 2020 بتشغيل أول قمة افتراضية لمجموعة العشرين، والتى دعت إليها المملكة على مستوى القادة ،وعقدت عن بعد برئاسة خاد الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ، حفظه الله، ،و ذلك أثناء جائحة كورونا ،لمناقشة تنسيق الجهود العالمية لمكافحة هذه الجائحة والحد من تأثيراتها الاقتصادية والإنسانية على العالم ،وهذه القمة انجاز تاريخى للهيئة، حيث استطاعت تجهيز تحضيرات هذه القمة فى أقل من أسبوع.
وقد نالت الهيئة فى مارس ٢٠٢٣، ممثلة فى ” مركز المعلومات الوطنى ” التابع لها ،شهادة الجاهزية والاعتماد الدولى من معهد “آب تايم” Tier111 “Uptime”
،كما أنجزت الهيئة بناء منظومة الاتصال المرئي الآمن، لعدد من الجهات الحكومية لعقد الاجتماعات عن بعد ،و دمجت ووحدت أكثر من ٨٠ مجموعة بيانات حكومية.
وأطلقت الهيئة فى مارس ٢٠٢٠ منصة ” ديم ” ،وهى منصة حوسبة سحابية حكومية سعودية ،وتعد الأكبر فى الشرق الأوسط، و ديم هى أحد الحلول التقنية الابتكارية لدعم التحول الرقمى ،و ذلك وفق رؤية السعودية ٢٠٣٠ ،حيث تهدف إلى توفير بنية تحتية متكاملة مبنية على أحدث التقنيات التى تضمن أعلى أمان للبيانات الحكومية ،كما تسهم فى خفض الإنفاق الحكومى على البنية التحتية، فى مجال الصيانة والادارة والتشغيل والحماية ،و رفع كفاءة تشغيل هذه المراكز.
ومن انجازات هيئة سدايا أيضا،توقيع مذكرة تعاون مشترك فى مجال القطاع الصحى ،بين الهيئة وبين شركة ” ايكيوفيا ” وهى شركة أمريكية متعددة الجنسيات، تخدم الصناعات المدمجة فى مجال تقنيات المعلومات الصحية والبحوث السريرية ،تهدف هذه المذكرة إلى دعم الابتكار والتقدم التكنولوجى، فى مجال البيانات الصحية فى المملكة.
ونجحت هيئة ” سدايا ” في إطلاق تطبيق ” علام ” فى مايو ٢٠٢٣ ،وهو أول تطبيق محادثة فى المملكة، يقوم بمحادثة المستخدمين ،والرد على استفساراتهم باللغة العربية الفصحى والعامية ،و صياغة الاقتراحات فى كثير من الموضوعات المختلفة ،فى سبيل الوصول إلى بناء نموذج لغوى سعودى.
و من العرض السابق ،يتبين أهمية تطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ومجالاته ،و يتضح دور القيادة والحكومة السعودية الرشيدة فى تبنى كل ما يهدف إلى تقدم و ازدهار المملكة و شعبها ،و الأخذ دوما بمؤشرات و مستهدافات الدول المتقدمة الرائدة فى كافة المجالات ،لتحقيق العزة والتقدم والازدهار للمملكة و شعبها.