المملكة العربية السعودية بين التاريخ والحداثة
الدكتور مدحت العزب / كاتب مصري
تمثل شبه الجزيرة العربية أصل نشأة وحضارة العرب ،قبيل بعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم و ظهور آخر الرسالات السماوية الاسلام ،فالجزيرة العربية هى موطن العرب ،و أرض حضارتهم وتاريخهم و ثقافتهم .
وأصبحت المملكة العربية السعودية ،الآن،تمثل الجزء الأكبر من الحدود الجغرافية والسياسية لشبه الجزيرة العربية، مما يؤكد أن المملكة هى أصل العرق العربى ،و موطن حضارة العرب قبل الإسلام، ثم فضلها وكرمها و اختارها الله تعالى لتكون موطن الإسلام، دين الله الحق، و موطن خاتم الانبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وأرض الحرمين و بها بيت الله الحرام، و محضن جسد الرسول الشريف صلى الله عليه وسلم.
و قد عرف العرب قديما الحضارة ،فى كثير من جوانب الحضارة الانسانية مثل اللغة والثقافة والشعر ،و سمات الشرف والسؤدد و الكرم ،و النجدة و المروءة ،وان غلبت عليهم الأمية، الإ أن العربي،قد حباه الله بقوة وسرعة الحفظ والبديهة ،و الذكاء الفطرى و سرعة الاستدلال والاستنتاج ،وقوة الحجة والبيان والفصاحة ،والتحمل والشجاعة.
ولأن الله تعالى ،بحكمته وعلمه المسبق ،أعلم حيث يجعل رسالته ،فقد كان اختيار الله لشبه الجزيرة العربية لتكون موطن الإسلام ومهبط الوحى ،وأن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء، من أهل شبه الجزيرة العربية، ولغة القرآن الكريم، آخر اتصال بين السماء والأرض، وهي اللغة العربية، لدليل قاطع رباني ،على تكريم و تشريف الله تعالى للأمة العربية ،وعلى فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم ،و أهليتها لتحمل مسؤولية الإسلام ونشره ،حيث أن الإسلام رسالة عالمية لجميع الأمم و جميع البشر، غير مختص بالأمة العربية التى نالت شرف الموطن و المسؤولية و نشر الإسلام.
وفى حديث للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “ان الله اختار خلقه ،فاختار منهم آدم، ثم اختار بنى آدم، فاختار منهم العرب ،ثم اختارنى من العرب ،فلم أزل خيارا من خيار ،ألا من أحب العرب ،فبحبى أحبهم ،ومن أبغض العرب ،فببغضى أبغضهم ” .رواه الطبرانى عن ابن عمر ،و روى الترمذي مثله ،وقال عنه حديث حسن .
ويشرف الجزيرة العربية بيت الله العتيق ،أول بيت وضع للناس ،رفع قواعده ابراهيم الخليل وابنه اسماعيل عليهما السلام ،وهو جد العرب ،والأب الروحى لكل المؤمنين كما جاء فى أشعياء ٥١: ٢،كما يعتبر إنجيل متى ،و إنجيل لوقا المسيح عليه السلام من سلالته ،و يعتبره القرآن الكريم ” أبو الأنبياء. ”
و عرفت الجزيرة العربية عبر عصورها الطويلة أنواعا من الرسالات وأنبياء الله عليهم السلام …فكان هود فى الأحقاف ،و صالح فى ثمود ،و شعيب فى مدين ،أى انها موطن الأنبياء والرسل عبر التاريخ.
ثم كان التكريم والتشريف الأعظم للجزيرة العربية ،حيث اختارها الله تعالى موطن رسالة الاسلام و مهبط الوحى و تحمل مسؤولية نشر رسالة الاسلام العالمية لكل بقاع الأرض.
وكانت الجزيرة العربية على صلات وثيقة مع جيرانها ،فقد كانت مكة أهم المراكز التجارية ،واكتسبت مكانة دينية رفيعة عند جميع العرب لوجود بيت الله العتيق بها ،و استغل القريشيون صلاتهم التجارية ومكانة مكة فازدهرت حركة التبادل التجارى و الثقافى ،و نظموا رحلات الشتاء إلى اليمن لشراء السلع ،و رحلات الصيف إلى الشام لبيعها، وقد بلغت قافلتهم خمسمائة و ألف بعير كما يروى الطبرى.
وماجت التيارات الدينية و الثقافية فى شبه الجزيرة العربية، فقد انتشرت اليهودية فى يثرب ،والنصرانبة فى نجران، وعندما فشلت الفرس و الروم فى السيطرة السياسية على شبه الجزيرة العربية، جعلت نفوذها فى صورة إمارة الحيرة على تخوم الفرس ،وامارة الغساسنة على تخوم الروم ،وكان لهاتين الاماراتين أثر كبير فى اثراء الحضارة العربية ،و شهدت الجزيرة العربية أهم مراكز الحضارة العربية : مكة و يثرب ( المدينة المنورة ) و الطائف.
حضارة مكة:
مكة …هى أهم مراكز الحضارة فى الجزيرة العربية على الإطلاق، و سكنها الاسماعيليون او العدنانيون كما يسمونهم المؤرخون المسلمون، و كذلك قبائل جرهم و خزاعة والعماليق.
ومن أسماء مكة : أم القرى ،و البلد ،و البلد الأمين ،و يذكر البعض سبب مكة لأنها تمك الجبارين أى تذهب نخوتهم ،و يرجع البعض الآخر سبب التسمية إلى انها تقع بين جبلين مرتفعين عليها ،وهى فى هبطة بمنزلة المكوك.
و رغم وجود ” البيوت الحرام ” المتعددة فى بلاد العرب ،مثل” بيت صنعاء ” و ” بيت الأقيصر ” و ” بيت نجران ” و ” بيت ذى الخلصة ” فقد تميز البيت العتيق بمكة بقداسة و مكانة خاصة عند العرب ،واصبحت مكة أهم مركز دينى و تجارى و ثقافى لجميع العرب
المدينة المنورة:
المدينة المنورة ” يثرب ” هى ثانى مدن شبه الجزيرة العربية أهمية بعد مكة ،وهى دار هجرة الرسول ،و عزة ونصر الاسلام، و عاصمة أول دولة اسلامية ،و شرفها الله تعالى بميزة لا تتطاول إليها أى مدينة فى العالم، وهى أنها تضم جثمان سيد الخلق أجمعين، خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، و قد جمعت المدينة و كما قال ” السمهودى ” فى كتابه ” وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ” ست عشر فصلا عن فضائل المدينة ،من طيب الهواء، وجودة التربة ،و طيبة أهلها ،و اشتهرت بزراعة النخيل ، وكانت من أهم المراكز الزراعية فى بلاد العرب ،وكانت محطة تجارية على طريق القوافل التى تحمل الطيوب بين اليمن و الشام.
وكانت المدينة تسمى ” يثرب ” قبل هجرة الرسول إليها، وقد ذكرت فى الكتابات المعينية و السبئية ،مما يشير إلى سكن هذه القبائل فيها ،كما أشارت النصوص البابلية إلى يثرب منذ القرن السادس قبل الميلاد ،فى عهد الملك البابلي “نبونيد ” الذى قام بحملة احتل فيها خيبر وتيماء ويثرب التى جاءت تحت اسم ” أتريبو”.
كما جاءت يثرب فى جغرافية بطليموس وعند المؤرخ الجغرافى ” اصطفيانوس البيزنطى ” تحت اسم ” يثربة” ،وقد ذكرها القرآن الكريم فى بعض الآيات باسم “المدينة “بعد هجرة الرسول إليها.
ومن أسماء المدينة أيضا فى العصر الاسلامى : طيبة ،طابة ،دار الهجرة ،العاصمة ،القاصمة ،المؤمنة، قرية الأنصار ،سيدة البلدان ،المحبوبة ،المقدسة ،المباركة ،ذات الحرار ،و أرض الهجرة.
الطائف:
الطائف : تقع الطائف على بعد حوالى ٩٠ كيلو مترا من جنوب شرق مكة على جبل عزوان ،و هو أبرد مكان بالحجاز ،مما ميزها بجوها الطيب المعتدل فى الصيف،و كثرة ثمارها و شجرها ،وأكثر ثمارها الأعناب والموز و الزبيب والرمان.
وقد عثر علماء الآثار على كتابات مدونة على صخورها وحولها ،بعضها باللغة النبطية ،وأخرى بالثمودية ،و بعضها باللغة العربية، و كذلك كتابات تشبه اليونانية ،مما يؤكد تنوع و قدم تاريخها و حضارتها ،وقد سكن الطائف قبائل العماليق ،و بنو عدوان من قيس بن عيلان ،و بنو عامر ،ثم قبيلة ثقيف العريقة الشهيرة.
المملكة العربية السعودية الحديثة:
من التاريخ العريق الدينى و الحضارى لشبه الجزيرة العربية، ومن تكريم و تفضيل الله لهذه البقعة من الأرض، وامتدادا للتشريف المقدس، و التاريخ المجيد ،و السؤدد العريق ،فقد حبا الله هذه البقعة المباركة من الأرض، فى العصر الحديث بأسرة “آل سعود ” التى جمعت كل جينات الشرف و المجد والسؤدد ،و الايمان و الانتماء للاسلام و الوطن و الأمة، والاخلاص للدين و تراب الأرض والشعب ،فكان بزوغ شمس المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ، طيب الله ثراه ، لتواصل المملكة رحلة الانجازات على كافة الأصعدة : الدينية، و السياسية و الاقتصادية و العمرانية و الاجتماعية ،فى دولة عصرية من أهم الدول على الصعيد العالمى ،بصفتها مركز العالم العربى والاسلامى و قبلته ،و دولة محورية فى السياسية العالمية بثوابتها التى تدعم الأمن و السلم العالمى ،وقوتها الاقتصادية العالمية.
و تشهد المملكة ،الآن، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ،وولى عهده الأمين،الأمير الشاب محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ،الذى يمثل جيل الشباب، بفكره الثاقب و بصيرته الملهمة ،و طموحه اللا متناهى ،و اخلاصه الذى ورثه عن الجدود والأباء ،تشهد المملكة نهضة كبرى فى كافة المجالات ،بعد الرؤية الطموحة الرائعة للأمير الطموح ” رؤية ٢٠٣٠” والتى تنقل المملكة إلى مقدمة الدول المتقدمة فى كافة المجالات.
ففى السياسة : يتميز قرار المملكة بالاستقلال والسيادة و الإخلاص للارض والشعب والأمة العربية والإسلامية، و كذلك بعلاقاتها الطيبة متبادلة الاحترام بين كافة الدول ،و بثقلها السياسى والاقتصادى.
و فى المجال الاقتصادى: يحرص الأمير الطموح الشاب على تنويع مصادر الدخل القومى ،و قد بدأ مشروعه العملاق ” نيوم ” فى ٢٠١٧ م.و هو من أضخم المشروعات فى العالم ،و سيكون من أشهر واكبر المجمعات السياحية و الاقتصادية فى العالم على امتداد ٢٦٠ كيلو متر شمال المملكة فى بين تبوك و ضباء.
وفي الثقافة والفن والترفيه: تتبوأ المملكة الآن مكانة مميزة عالميا فى مجالات الثقافة والفن و السياحة و الرياضة ،بعد الفكر الجديد للأمير الشاب ،و جهود معالى المستشار تركى آل الشيخ ،فقد اصبحت المملكة قبلة الفن والسياحة، واستقطاب نجوم كرة القدم العالميين ،حتى اصبح دورى كرة القدم السعودى محط اهتمام وانظار العالم ،و تشهد المملكة نهضة كبرى عظيمة ،تؤكد الوجه الحضارى العريق، الذى تستمده المملكة من جذور حضارة الماضى ،و هذه النهضة أبهرت العالم بالوجه الجميل المعتدل للمملكة، و التى تتمسك بثوابت الاسلام و تقاليده ،فى صورة جميلة لوجه الاسلام الوسطى المعتدل ،الذى صدر للبشرية أعظم حضارة عرفها الانسان.
حفظ الله المملكة العربية السعودية، عقيدة، و أرضا ،و حكومة و شعباً.