التخويف من الفقر
بقلم الدكتور: عادل محمد عبدالقادر علي … جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية
إن الفقر منتشر في أوساط المجتمعات, وبالمقابل هناك الغنى المفرط عند بعض الناس, وهناك من لا يدرون كيف يصرفون أموالهم،كان لزاماً على الدعاة وطلبة العلم أن يقفوا في صف هؤلاء الفقراء, يرفعون حوائجهم، ويتكلمون عن معاناتهم، ويقدمون ويقضون طلباتهم؛ ليرحم الله عز وجل هؤلاء برحمته الواسعة، إن من أعظم القضايا التي تشغل الإنسان وتجلب عليه المشاكل وتدخل عليه الهموم .. الخوف من الفقر وفوات الرزق، وهذا مدخل من مداخل ابليس لإغواء المسلم وزعزعة عقيدته وإيمانه بربه، يقول الله تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة:268]. وقال الحسن البصري: “قرأت في تسعين موضعا من القرآن أن الله قدر الأرزاق وضمنها لخلقه، وقرأت في موضع واحد: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) فشككنا في قول الصادق في تسعين موضعاً وصدقنا قول الكاذب في موضع واحد!!”.
إن من أعظم مظاهر تخويف الشيطان للمسلم بالفقر: دعوته لكسب الحرام؛ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:”يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم الحرام”؛ رواه البخاري.
عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليس من عمل يقرب من الجنة إلا قد أمرتكم به ولا عمل يقرب من النار إلا وقد نهيتكم عنه فلا يستبطئن أحد منكم رزقه فإن جبريل ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله فإن الله لا ينال فضله بمعصيته” .
, فلله؛ كم أذل الخوف من الفقر وفوات الرزق من أفراد ومجتمعات ودول؟! وكم تنصلت عن قيمها ومبادئها لأجل ذلك؟! وكم ارتكبت لأجل ذلك من جرائم ومخالفات؟! وكم سفكت من دماء وانتهكت من أعراض؟! وكم ظهرت من خيانة للأمانات؟! وكم فرط الناس بما تحت أيديهم من مسئوليات؟!
وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِـيُّ، -صَلّى اللهُ عَليْه وسَلَّمَ-، أَصْحَابَهُ مِنَ الْـخَوْفِ مِنَ الْفَقْرِ؛ فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَليْه وسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَقْرَ وَنَتَخَوَّفُهُ، فَقَالَ: “آلْفَقْرَ تَخَافُونَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُصَبَّنَّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا”لذلك أنفق الصحابة أموالهم ولم يستسلموا لنزغات الشيطان؛ فهذا أبو بكر -رضي الله عنه- أنفق ماله في سبيل الله كله ولم يخش الفقر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطَّاب، يقول: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتصدَّق، فوافق ذلك عندي مالًا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكرٍ إن سبقته يومًا، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أبقيت لأهلك؟” قلت: مثله، وأتى أبو بكرٍ بكلِّ ما عنده، فقال: “يا أبا بكرٍ ما أبقيت لأهلك؟” قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيءٍ أبدًا (أبو داود). لا بد للعبد أن يكون رحيماً بعباد الله عز وجل، وأن يتقرب إلى الله بالشفاعة لهم، جاء عند البخاري ومسلم من حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اشفعوا تؤجروا, وليقض الله على لسان نبيه ما شاء) فالواجب على المسلم أن يرفع حاجات هؤلاء, وأن يتفقد أمورهم, وأن يقف معهم وأن يشفع لهم، وأن يسعى بكل ما أوتي من قوة وبسالة من أجل إسعادهم. وفي بعض الآثار يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الناس عيال الله, أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله} فأحبهم إلى الله عز وجل الذي يسعى في نفع الناس، وبعض الناس أناني ذاتي, لا يعيش إلا لبطنه ولبيته ولمصالحه الشخصية، فلا ينظر في هموم الناس ولا مشكلاتهم ولا ديونهم ولا معاناتهم, ولا يقف على المستضعفين، ولا يشفع لهم، ولا يجمع التبرعات لهم، ولا يدخل الإسعاد عليهم، وهذا خطأ, فقد يوجد من الأغنياء من يسكن في حي وبجانبه فقراء, وأبناء هذا الغني مترفون بذخون, وأبناء الفقير لا يجدون كسرة الخبز.
يروى أن ابن المبارك -رحمه الله- أمير المؤمنين في الحديث -كان إذا اشترى فاكهة بدأ بأبناء جاره اليهودي فيوزع الفاكهة عليهم، وإذا اشترى لحماً بدأ بأبناء اليهودي فوزع عليهم اللحم, وبعدها أسلم اليهودي؛ لأن ديناً أخرج مثل ابن المبارك دين صحيح وثابت، ومعقول، أما أن تكون المشاركة بالكلمات والخطب الرنانة فقط, ثم نترك هؤلاء، فلمن نتركهم؟