قصة قصيرة من الأدب الأمريكي بعنوان: اللص الشريف للكاتب الأمريكي الفكاهي: ستيفن ليكوك ترجمة الأستاذ: مصطفى أبو غربية
– سأقص عليكم أيها السيدات والسادة قصتي، ولكم الخيار أن تصدقوا أو لا تصدقوا ما حدث لي. أما أنا فما علي إلا أن أروي الحادثة بدون زيادة ولا نقصان فأعيروني أسماعكم بضع دقائق.
في صباح أحد أيام الأسبوع وقع نظري على شاب وسيم الطلعة، واقفا أمام شباك التذاكر في إحدى دور السينما، فقلت في نفسي: لقد سبق أن رأيت هذا الشاب مرات واقفا أمام شباك التذاكر، فمن المحتمل أن يكون هناك سرًا. ولم يخب ظني، ففي لمح البصر مد الشاب يده إلى جيب جاره وأخرجها بخفة وبها محفظة نقوده، وبكل هدوء وسرعة دسها في جيبه وسار بخطى متئدة بعيدًا عن شباك التذاكر خشية أن يراه أحد.
وكنت لما أزل طالبا أدرس العلوم الجنائية، فأنا لست من رجال الشرطة ولم تكن مهمتي مراقبة اللصوص ومطاردتهم، وقد سبق لي أن كتبت مقالة عن العلوم الجنائية وقد حازت إعجاب كل من قرأها. ولم يسبق لي أن تفهمت أو درست عقلية اللصوص النشالين أو شاهدتهم يسرقون، ولأول مرة أرى فيها هذا اللص يمارس مهنته في مثل هذا المكان، ففكرت في الأمر عاجلاً وقلت في نفسي: هل أترك الفرصة تمر دون أن أستفيد منها؟ فلماذا لا أتتبع خطوات هذا اللص وأقف على حقيقة أمره، والدافع الذي يدفعه لارتكاب مثل هذه الأعمال. فلحقت بالشاب الذي نشل المحفظة من جيب جاره ورأيته داخلاً صالات الرقص فتبعته مقتفيًا أثره، ثم دنوت منه وابتدرته قائلا: هل لي أن أجالسك؟ ولا يريبك أمري، فأنا لست من رجال الشرطة ولا ممن يودون مشاركتك في غنيمتك، فلا تقلق ولا تضطرب فكل ما هنالك أنني طالب يدرس العلوم الجنائية وكاتب صحفي مبتدئ، وقد لمحتك منذ فترة من الزمن قد مددت يدك إلى جيب جارك وأخرجتها بحافظة نقوده، وانسللت بخطى بطيئة. وتبعتك إلى أن دخلت هنا فلا تخف شيئاً من أمرك عني، فهل لن أن نتحدث بضع دقائق؟
فابتسم الشاب ولم يضطرب ولم يرتب، وأجابني قائلا: إنني أعرف أنك لست من رجال الشرطة، ومن الواجب علي أن أخبرك بأنني أنا أيضًا لست من اللصوص المجرمين، ولكن لي رجاء أرجو أن تسمح لي بأن نواصل حديثنا في مكان يفضل هذا المكان. فأجبته بالقبول، وخرجنا من الصالة وقد تأبط الشاب ذراعي كأن صداقتنا وطيدة منذ زمن ودون كلفة وسرنا معًا في طريق مؤدية إلى سوق عمومية تزدحم فيه عربات الخضار والمشروبات المنعشة وتكثر فيه بائعات اللبن وهنا أشار الشاب إلى امرأة عجوز ممن جلسن وراء عربة لبيع اللبن وفي يدها وعاء فارغ انهمكت في تنظيفه بعد أن أفرغته لأحد المشترين.
فسألته – هل عزمت على سرقة هذه العجوز المسكينة؟
فابتسم ولم يجب، ولكنه تركني واتجه نحوها وألقى في وعاء اللبن الفارغ المحفظة التي سرقها عند شباك بيع تذاكر السينما، وعاد إليّ متأبطًا ذراعي وتابعنا مسيرنا من جديد. وابتدرني قائلا: أظنك أدركت الآن ما هي رسالتي التي أؤديها؟ وحسبي أنك فهمت ما هو العمل الذي أسعى من أجله؟ . إنني من محبي حفظ التوازن بين حظوظ الناس وثرواتهم، فكل ما أبغي هو أن أساعد المساكين الفقراء! فها أنا أسرق من الأغنياء وأعطى الفقراء، آخذ من ذلك المترف الغني محفظة نقوده وألقيها في وعاء لبن هذه المرأة العجوز المسكينة المحرومة من نعم الدنيا، فها هي الحكومات تتقاضى الضرائب والرسوم من الأثرياء وأصحاب العقارات والدخل السنوي لتنفقه على المعدمين الفقراء، فأنا أساعد الحكومة بقدر استطاعتي، وثق أنني أفعل هذا بالرغم مني مدفوعًا بدافع غريزي لا أستطيع مقاومته، وقد دأبت على فعله منذ نعومة أظفاري. . . ولكن هيا بنا لنذهب لبيتي حيث أطلعك على السر كله، هل تحب؟ فأجبته: بكل سرور. فقال: إنك سترى على باب بيتي اسمًا محفورًا على لوحة نحاسية (بيت شريف) وقد يحملك هذا الاسم على التفكير، فلا داعي إذن للتفكير فهو اسم والدي عن جدي، إن أجدادي كلهم كانوا يحترفون العمل الذي أحترفه اليوم. سنجد باب الدار مقفلاً، وقد تكون ماري خرجت لزيارة إحدى صديقاتها. وفعلاً وجدنا الباب مقفلاً ولكنه قال لي سندخل من باب المطبخ – تعال معي – فدخلنا ودعانا الشاب للجلوس فجلست. وفاجأني قائلاً: -هل تعرف اسمي؟ اسمي شريف قد ورثته عن أبي الذي ورثه جدي. فقلت اسمك شريف؟ فهذه مصادفة جمعت بين اسمك وعملك، فعملك اللصوصية والسرقة واسمك شريف، فأنت إذن لص شريف؟ واسم المرأة أمك أو زوجتك ماري ، كل هذا. . . فقاطني قائلا – اعلم أنني سليل بيت عريق لم تقدر البشرية حسناته نحوها. واعلم أنك أصبت بأنني (لص شريف) وستخلد الأيام اسمي كما أخلد ذكرى والدي وجدي العظيم. سترى صورته هنا في القاعة المجاورة وسترى مدى الشبه بيني وبينه، وإذا كنت أميل إلى الأخذ من الأغنياء لأعطي الفقراء – وهو ما كان يفعله جدي ووالدي – فإن أخوتي جميعا يميلون لمثل هذا العمل أيضا – إننا لصوص شرفاء أباً عن جد – ونحن مازلنا نواصل تأدية رسالة الجد الكبر؛ فنقوم المعوج، ونعدل ميزان المساواة في الثروة بين الناس. ولكن انتظرني قليلا فسآتيك بصورته!
خرج الشاب وتركني في القاعة، وما هي إلا بضع دقائق حتى سمعت حركة خفيفة عند الباب وإذا بسيدة لا أعرفها تدخل القاعة. فدهشت المرأة عندما رأتني وداخلها بعض الريب والخوف، فهدأت من روعها قائلا: لا تخشي من شيء يا سيدة ماري فأنا صديق أسرتك. . . جئت مع شريف إلى هنا منذ زمن قصير؟ فتمتمت السيدة بصوت خافت: شريف! أحد أفراد أسرتنا؟
فقلت: نعم شريف، زوجك أو ابنك لا أدري؟
– زوجي! ابني؟
-ها هو في الغرفة المجاورة ذهب ليأتني بصورة جده شريف.
– جده شريف!
– يا سيدي أنا لا أفهم شيئا مما تقول؛ فأنا غريبة عن هذا البيت ولست من سكانه. وزوجي ليس اسمه شريف ولا أنا اسمي ماري! أظنك مخطئ. قالت هذا وتراجعت للباب مذعورة فاستوقفتها وقلت لها: بيت من هذا أذن يا سيدتي؟ قالت: هذا البيت للإيجار – جئت لأستأجره! ولكن من تكون أنت إذا لم تكن صاحب البيت ولا تعرف صاحبه؟
فخطر لي خاطر وقلت أنا يا سيدتي مستأجر مثلك جئت لأستأجر هذا البيت.
قالت – آه فهمت الآن؟
قلت – وأنا أيضا فهمت يا سيدتي! أستودعك الله. قلت هذا وخرجت مسرعاً. إذن كل ما قاله الشاب كان سلسلة من الأكاذيب. البيت والأب والجد والأسرة والحرفة الشريفة، والأخذ من هذا وإعطاء ذاك. . . إنه لص ولكنه غير شريف. . ووضعت يدي في جيبي فإذا بمحفظة نقودي قد اختفت. لقد سرقني اللص الشريف كما سرق غيري من قبل. وأسرعت راكضاً نحو مركز الشرطة، وإذا بي ألمحه عن بعد. . لمحت الشاب وهو يركب سيارة ومعه امرأة لم تكن غير بائعة اللبن العجوز التي ألقى المحفظة في وعائها وهي تنظفه. وابتعدت السيارة ووقفت حائرًا: أتكون المرأة شريكته في السرقة؟
لقد فهمت الآن كل شيء ورحت ضحية هذا اللص الشريف الذي عرف كيف يضحك مني ويضللني. هل أذهب إلى مركز الشرطة وأقص قصتي وأطلب البحث عن الجاني؟ ولكن ما الفائدة؟ سيضحكون مما حدث لي. فخير لي أن أسكت وأن أواصل الدرس والبحث لأنني لا أزال مبتدئا في أدراك حيل اللصوص والنشالين الأذكياء. وعدت إلى بيتي مشيًا على القدمين وأنا أفكر في خطة لإيقاع هذا اللص الشريف!
~تمت~