مختارات

ضمن سلسلة ” رسائلي لصديقي ” بقلم روضة خالد 

“أنا وكافل اليتيم كهاتين ، واشار بإصبعيه ، السبابه والوسطى ” ، وهكذا انهى كلامه احمد بهذا الحديث ، وهو يخبر أحد أصدقائه الذي طالما نصحه بعدم اخذ تلك الطفلة وان يصبر لعل الله سيعيطه رزقه من الأطفال عاجلاً أم آجلا.

بدأت القصة بذلك الرجل الذي يدعى الأستاذ احمد، ممرض في احدى المستشفيات الحكومية، متزوج منذ اكثر من خمس سنوات ولم يرزقه الله بأطفال لوقته، ولكنه يشعر بالرضا طوال الوقت وبالنعم التي تحيطه ، فزوجته أميرة حب حياتة من تلك النعم ، ووظيفتة التي سعى طوال حياتة التعليمية أن يلتحق بتلك الكلية ليصل الي هنا في يوما ما.

ف احدى غرف العمليات للولادة الطبيعية، كانت هناك امرأة وحيدة، ستلد طفلتها الأولى التي طالما حلمت بها، كانت تلك العملية من اصعب العمليات التي مر بها احمد مع طبيب تخصص الولادة، تلك المرأة عانت أشد المعاناه، من بدايه انها وحيدة الي صحتها وجسمها الضعيف الضئيل الذي لم يسمح لها أن تلد ولادة عاديه، بدأت تلك العملية بصراخ مستمر مؤلم لمن يسمعه، إلي أن خرجت طفلتها وسكن الصراخ، فظن الطبيب أنه طبيعي عند سماعها لبكاء طفلتها بدأت بالسكون متناسية كل ذلك الألم، ولكن في الحقيقة أن الصراخ توقف ، وإلي الأبد .

بدأت الإجراءات الروتينية، مَن أقارب الطفلة ؟، اين أبوها! اعمامها جدتها اخوات أمها! ، كل تلك الاسئله لم يكن لها جواب، إلا اجابة واحدة كانت في اوراق أثبات هوية تلك الأم ، اسم الأب وتاريخ وفاتة وقسيمة الزواج.

كانت حالة الطفلة ليست على ما يرام، طبيعي بسبب حالة امها الصحية، وانتقلت الي الحضّانة، بدأ أحمد بالتردد لتلك الطفلة باستمرار ، شعور غريب لا يعرفة ، تعاطف وحب لتلك البريئة وحزن لحالها .. مشاعر مختلطة لا يمكن تحدديها.

ظل أحمد ليومين يذهب لتلك الطفلة يجلس معاها قليلاً ويخرج ، وينتهي يومه ليذهب لزوجته يخبرها عن احوال تلك الطفلة وصحتها ، فأميرة أيضاً مهتمه لأمرها، وتشعر تجاهها بإحساس الامومة دون حتى أن تراها ، ربما لأفتقداها لذلك الإحساس.

إلي أن أتى اليوم الذي تحسنت فيه الطفلة وأصبحت لا تحتاج لتلك المشفى، ومن المفترض أن يأتي أحد أهلها لاصطحابها وإلا تبدأ اجراءات ترحيلها لأحد الملاجئ المتعاقده معها المشفى.

علم احمد بذلك وفي نفس اللحظة أخذ القرار الذي ظل طوال يومين تَحسُن تلك الطفلة يفكر فية ، وهو كفالة تلك الطفلة، لا يعلم لماذا رغم أنه طوال الخمس سنوات لم يفكر ولا مرة في ذلك ، إلا أنه شعر اتجاه تلك الطفلة بإحساس أبوي افتقده لسنوات … بدأ أحمد بإجراءات كفالتها وتسجيل شهادة ميلاد لها بأسم أبيها المتوفى وأمها،

واصبحت تلك الطفلة منذ ذلك اليوم هي ابنة احمد واميرة.

 

سارة تلك الطفلة ذات الملامح الملائكيه، والروح الخفيفة والضحكة العذبة والمرح الذي دائما يعتليها، كانت من أجمل الأطفال، يراها الجميع يحبها، اخذت سارة تلعب من إخوانها ، عاصم و مالك ، ذلك التؤام الذي رزقهم بهم الله بعد تبني سارة بعام واحد فقط ، أي أن الفرق بينهم وبين سارة عامين، جعل ذلك أحمد يتمسك بملاكه سارة اكثر واكثر جالبة الرزق والسعادة والرضا بحياتة ، فمنذ دخولها منزلة وهو بين سعة رزق وسعادة لم يكن يعلم عنهم شئ قبلها .

كانت سارة طفلة في العاشرة من عمرها، كانت كأي طفلة لا فرق بينها وبينهم في شئ، إلا أنها منذ عمر الثامنة وهي تقريباً كل يوم في منامها تحلم بمرأة ذات شعر انسيابي وملامح انثوية جميلة وجسم يملك من الاستقامة والتناسق الكثير ، تنظر لها وهي تبتسم تناديها، وسارة تركض اتجاهها ولكن تختفي وتستيقظ سارة.

حكت سارة لأمها ذلك الحلم المتكرر لأعوام وكان رد أميرة كالعادة أنه حلم جميل لا يجب أن تخاف وتخبرها ببعض القصص التي تلهيها عن الحديث عن ذلك الحلم وينتهي الأمر .

كبرت سارة ومع كل عام تكبر فية يقل رؤيتها لتلك المرأة ولكن تظل تراها أيضاً ، تارة تأتي وتنظر لها وتبتسم وتذهب ، وتارة تمشط لها شعرها دون التفوه بكلمة أيضا وتذهب ، وتارة تتكلم وتحرك شفتاها ولكن سارة لا تسمع، تحاول قراءة شفتاها وانما تفشل في كل مرة ، وهكذا لسنوات وسنوات إلي أن اعتادت سارة واصبحت تلك الأحلام بالنسبة لها اشتياق إن توقفت فترة دون أن تأتي لها تلك المرأة.

ذات مرة وهي تقرأ في إحدى الكتب التي لها علاقة بعلم النفس وما تحبة في ذلك المجال، توقفت أمام ما معنى التخاطر ! ما هذا المصطلح في الأساس؟ ، شعرت سارة أن الموضوع بدأ يثير اهتمامها، ولم تكتفِ بقراءه هذا الكتاب فقط، وانما بدأت بشراء مجموعة كتب تتكلم عن ذلك الموضوع وكيف يحدث.

سارة فتاة فضولية بعض الشيء، لا تترك معلومة دون البحث عنها، تعشق تجربة كل ما هو جديد ، هي تعلم أن هذا الأمر له عيوب و مميزات، ولكنها حاولت كبح فضولها في معظم الأمور وفشلت، حتى أنها فشلت أيضاً في منع نفسها أن تجرب ذلك ما يدعى بالتخاطر .

اخذت قراراها في يوم أن تقوم بالتخاطر لتلك المرأة التي تحلم بها طوال سنين حياتها، تريد اتصال افكارها بأفكار تلك المراة، أو الحديث معاها، أو الإتصال الوجداني الذي يحدث كما قرأت عنه .

بدأت سارة طقوسها، واستطاعت أن تتصل وجدانيًا بتلك المرأة، بدأت سارة ترى تلك المرأة، حاولت الحديث معها وانما كالعاده لا صوت ولا كلمة حتى، ذهبت تلك المراة كالعاده ولكن المختلف هذه المرة انها ذهبت امام عين سارة ، بدأت تمشي وساره خلفها ، إلي أن وصلت لمكان ودخلت فيه واختفت عن أنظار سارة ، حاولت سارة الإتصال معاها مرة اخري ولكن دون جدوى.

نامت سارة على الفور وبدأت تحلم ، نفس المراة ولكن هذة المرة تشير لها لنفس البيت الذي دخلت فيه من قبل ، واختفت أيضاً.

استقظت سارة وهي عازمة الأمر على أن تذهب لذلك المكان ، هي تعرف هذا الشارع ورأت تلك البناية من قبل ، وبالفعل اخبرت والدها بكل ما حدث لها وقرر الذهاب معاها لتخفيف فضولها ، فهو يعلم ابنته وأنه لو رفض ستذهب بمفردها بدونة .

استطاعوا الوصول للمكان، هي تتذكره جيداً، بناية من طابقين ، الطابق الاول مغلق والثاني تقطن فيه سيدة منذ ثمانية عشر عام.

صعدت سارة هي وأبيها وبالفعل فتحت لهم تلك المرأة ، نسخه مكبرة من سارة، حتى الوزن والطول متقارب جداً

تفاجئ أحمد ، هو يعرف تلك السيدة جيداً ، تلك التي صرخت صرختها الابدية وتوقفت حياتها تاركة له تلك الطفلة ، ما هذا ، انها توفت ، من هذه إذًا ؟؟

نظرت تلك السيدة لسارة ورأت التساؤلات في عين أحمد وبدأت بالكلام قائله: سأخبركم بكل شئ

 

بدأت بسرد قصتها من بداية طفولتها التي كانت غريبة بعض الشيء ، فهي طفلة تستطيع الإتصال بالبشر دون النظر حتى لهم ، تستطيع رؤيتهم ولكن دون تحديد امكانهم ولا الحديث لهم، تعلم انهم أحياء أم أموات وتفاصيل حياتهم ولكن لا تستطيع الوصول لهم ، الي حياتها الزوجية وزوجها الذي توفى اثر حادث تاركًا امرأة حامل بشهرها السابع ، إلي يوم ولادتها لتلك الطفلة الذي من بعدة انقلبت حياتها رأساً علي عقب ، أحمد يعلم أنها ام سارة ، وسارة تعلم أن امها متوفيه وان احمد واميرة أبويها ولكن هم من ربوها فقط ، الأمور ليست مبهمه لها .

نظرت سارة لتلك المرأة وعلي وجهها علامات الفهم بعد علامات الاستفهام الذي كانت تعتليه ، ولكن أيضا ظل سؤال واحد من انتي ؟

 

أكملت تلك السيدة حديتها ، بدأت ولادتي لطفلتي التي انتظرتها بكل وجداني وعقلي، ولكن أراد الله بعد سماعي لصوت بكائها أن يتوقف قلبي، حاول الطبيب انعاشي ولكن ظنًا منه أنه دون فائدة، واستسلم للأمر مُعلنًا عن وفاتي، وبالفعل تعاملوا معى على هذا الأساس وهم لا يعلمون أن قلبي بدأ بالنبض مرة اخرى ، أنا علي قيد الحياة ولكن لا اشعر بشيء ، علمت بعدها أنني كنت في غيبوبة ، المهم انهم اكتشفوا ذلك أثناء غُسلي، علموا أنني على قيد الحياة بعد يومين من ولادتي لكِ يا طفلتي.

شعرت سارة أنها تعلم كل هذا ، وأنها سمعت ذلك الحديث من قبل ولكن تفاجئت ايضًا وكأنها تسمع إحدى أفلامها العلمية التي لا اساس لها.

شعر أحمد أن قلبه بدأ بالخروج من سرعة نبضاته ، ولكن كيف ! هو ترك المشفى بعد أن أخذ سارة ولكن الجميع يعلم أنه سيكفلها كانوا سيخبرونه ما حدث .

 

بدأت اسأل عنكِ، اخبروني أن رجلاً من التمريض قد كفلكِ حاولت الوصول له ، ولكن لا جدوى، علمت أنه ترك المشفى والغريب أن لا أحد يستطيع الوصول له ، هاتفه مغلق ، وحتى بيته قد تركه.

 

تذكر احمد أنه في ذلك اليوم نعم قد سقط هاتفه في الماء ، وأنه بعد يومين من اخذه سارة ، قرر ترك منزله والمكوث في بيته والدته ، لأنه أكبر وهو الآن معه طفله فيحتاج لمساحه كبيرة .

 

أكملت حديثها قائلة : ظللت هكذا ابحث عنكِ كل هذه المده ، ومن عمر الثامنة وانا اتواصل معكِ اراكِ واذهب لا استطيع ان افعل اكثر من هذا، كنت احيانًا أحاول الحديث لكِ واحكي كل هذا ولكن اعلم انكِ لا تسمعين ، ولكن كان لدي أمل انك ستسمعين يوماً ما، اعلم أنه مستحيل ولكن لم أفقد الأمل ، إلي ذلك اليوم الذي حلمت بكِ فيه ، لا اعلم كيف ، ولكن حاولت أن اخبرك بمكاني ، كنت اعلم انكِ ذكيه من متابعتي لكي ، كنت أعلم انك ستفهمين، ولكن لم اتوقع بهذة السرعه ، وبدأت بالبكاء وهي تحضن سارة ، اشتقت لكي وانا قلبي يعتصر كل يوم حنينًا وشوقّا ليكي وانا اراكِ تكبرين بعيدًا عني ، ولكن ما كان يريحني انكِ في وسط هذة العائله ، وأشارت لأحمد وهو يبكي أيضا.

بدأت ام سارة تطلب منها أن تأتي لتعيش معها، إلا أن سارة رفضت وأحمد ايضًا ، بكى احمد وتوسل لها أن تترك له ابنته هو لن يستطيع العيش دونها وأنها تستطيع أن تأتي في أي وقت لتراها، وكان ذلك نفس حديث سارة .

 

واستيقظت أنا من نومي ياصديقي ، هذة الفترة أحلامي جميعها قصص لا اعلم لماذا ، أشعر كل يوم أنني استيقظ بقصة جديدة ، حتى أنني فكرت في عمل مجموعة قصصية من كثرة أحلامي، أشعر أنني افتقد الحديث معك ، ولا أحداث جديدة ف حياتي ، فلم أجد سوى أن احكي لك عن أحلامي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى