سياسةمقالات

محور المقاومة: اتحاد استراتيجي ذو جبهات وأهداف متعددة

د. محمد علي صنوبري

تؤكد ديناميكيات التحالفات العسكرية، وخاصة داخل مناطق الصراع، على الدور الحاسم للثقة والمواءمة الاستراتيجية بين الحلفاء. تشير هذه التحالفات، التي غالبًا ما تتضمن مجموعة من الفاعلين الحكوميين والجهات الفاعلة غير الحكومية، إلى الاستعداد للمشاركة في صراعات إقليمية أوسع. وعادة ما يتم تنسيق هذه المشاركة كجزء من جهد جماعي لتغيير توازنات القوى الإقليمية أو تحقيق أهداف سياسية محددة. تٌبنى مثل هذه التحالفات على أساس المصالح المشتركة والتهديدات المتصورة والأهداف المشتركة التي تصطف الأطراف المعنية معاً ضد خصم مشترك.

ولعل التحالف الاستراتيجي لمحور المقاومة هو المثال الأبرز والأنجح لمثل هذه التحالفات التي ساهمت بتغيير موازين القوى الإقليمية وتحدّت الهيمنة أحادية القطب للولايات المتحدة والتي تم كسرها لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي على يد أبطال محور المقاومة الذين تصدوا للولايات المتحدة وإسرائيل في حرب مركبة لم يشهد لها مثيل في التاريخ الحديث. وتمثل هذه العلاقات البينية بين أعضاء محور المقاومة رمزًا لشبكة دعم أوسع وأكثر تعقيدًا تتجاوز مجرد الدعم السياسي، وتمتد إلى المساعدات العسكرية والتدريب الاستراتيجي. وتشهد مثل هذه التحالفات على الطبيعة المتعددة الأبعاد للصراعات الحديثة، حيث يعمل التقارب بين الإيديولوجية والمخاوف الأمنية والسياسات الإقليمية على خلق إطار قوي للتعاون.

وتلعب إيران، على سبيل المثال، دوراً هاماً في هذه الشبكة، حيث تقدم دعماً عسكرياً ومالياً كبيراً وتدريباً للجماعات المتحالفة، بهدف تعزيز قدراتها في مواجهة الخصوم. وهذا ما أكده إسماعيل هنية القائد السياسي لحركة حماس عندما أكد بأن إيران تساعد المقاومة بقوة، وهذه حقيقة مستمرة منذ سنوات والجميع يعرفها. إيران الشعب والقيادة،اتخذت قرارها الاستراتيجي لمواصلة دعم المقاومة منذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة إلى الأن. ويوفر اليمن من خلال تعاون لوجستي مع إيران، بموقعه الاستراتيجي واصطفافه السياسي مع القضية الفلسطينية العادلة، بوابة لضرب الاقتصاد الإسرائيلي وتحدي البوارج الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر. ويقدم حزب الله، المعروف ببراعته العسكرية وعمقه الاستراتيجي، دعما عسكرياً منقطع النظير لحماس عبر إبقاء جبهة الجنوب مشتعلة.

علاوة على ذلك، تعكس هذه الشبكة المعقدة من التحالفات نسيجًا جيوسياسيًا أوسع حيث يساهم كل مشارك بشكل فريد في تحقيق الهدف الجماعي المتمثل في هزيمة إسرائيل والولايات المتحدة بشكل كامل. إن هذه الإستراتيجية المتمثلة بفتح جبهات متعددة منحت حماس هامش كبير من العمل على جبهات متعددة في غزة، وبالتالي تنويع أساليبها التكتيكية وتعزيز مرونتها العملياتية.

وبناء على هذه الاستراتيجية الفعالة جاءت تصريحات زعيم حماس إسماعيل هنية التي قال فيها بأن اليمن عبر أنصار الله الحوثيين دفع الاقتصاد الإسرائيلي للانهيار بشكل كامل. ويبني إسماعيل هنية تصريحاته هذه على الحقائق والمؤشرات الاقتصادية الإسرائيلية. حيث أن هجمات الحوثيين على السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، كان لها آثار كبيرة على الاقتصاد الإسرائيلي والتجارة العالمية. هذه الإجراءات هي جزء من استراتيجية أوسع للحوثيين، الذين أعلنوا عن نيتهم استهداف جميع السفن المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر كشكل من أشكال الاحتجاج على حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة. وقد أدى هذا الإعلان إلى تعطيل حركة المرور البحرية، مما أثر على الاقتصاد الإسرائيلي ودفعه إلى الانهيار وكذلك عطل هذا الحصار مسارات توريد الأسلحة إلى إسرائيل وعطل الدعم اللوجستي والاستخباراتي الأمريكي لها.

يعد الموقع الاستراتيجي للبحر الأحمر، وخاصة بالقرب من مضيق باب المندب، أمرًا بالغ الأهمية لأنه بمثابة طريق تجاري عالمي رئيسي يربط بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. وقد أجبر التعطيل الناجم عن هجمات الحوثيين شركات الشحن على إعادة توجيه الرحلات أو إلغائها، مما أدى إلى زيادة أوقات العبور وارتفاع تكاليف التشغيل. وعلى وجه التحديد، اختارت بعض السفن تجنب المناطق عالية الخطورة من خلال اتخاذ مسارات أطول حول رأس الرجاء الصالح، مما يضيف وقتًا طويلاً للسفر وتكاليف الوقود وتعطيل الموانئ الإسرائيلية.

وكان لهذا الحصار أثر الاقتصادي متعدد الأوجه حيث زيادة تكاليف الشحن، وارتفاع أقساط التأمين على السفن العاملة في المنطقة، والزيادات المحتملة في أسعار البضائع بسبب التأخير وإعادة توجيه الشحنات. وهذا الحصار الأخير مهم بشكل خاص حيث أن حوالي 12٪ إلى 15٪ من التجارة العالمية وما يصل إلى 30٪ من حركة الحاويات العالمية تمر عبر هذه المنطقة. وتساهم مثل هذه الاضطرابات في الضغوط التضخمية ليس ضد إسرائيل وحدها بل ضد الولايات المتحدة المتواطئة في جريمة الإبادة الجماعية.

علاوة على ذلك، لقد فرضت إيران وحلفائها في اليمن معادلة ردع قوية ضد الولايات المتحدة وذلك لمنعها من الانخراط في الحرب على غزة. إذ أن الضربات الإيرانية المباشرة ضد إسرائيل أرسل رسالة واضحة للولايات المتحدة بأن إيران سوف تمدد أهدافها لتشمل القواعد الأمريكية إذا ما قررت الانخراط في المواجهات مع إسرائيل وساهم حصار البحر الأحمر في كسر هيبة القوة البحرية الأمريكية والبريطانية حيث يستهدف اليمن أي سفينة متجهة إلى إسرائيل وفي المقابل فلا تستطيع بريطانيا أو الولايات المتحدة الدفاع عن هذه السفن.

ختاماً، بعد 200 يوم من حرب الإبادة الجماعية بحق أهل غزة، يُظهر محور المقاومة (الذي يضم مختلف الفصائل والحلفاء الإقليميين) ثباتًا هائلاً عبر جبهات متعددة. لقد نجح هذا التحالف استراتيجيًا في تحدي وفرض معادلاته العسكرية والاقتصادية على إسرائيل وحلفائها، مما يشير إلى تحول في ديناميكيات القوة الإقليمية. ومن خلال الاستفادة من التحالفات عبر الحدود وتوظيف مزيج من تكتيكات الحرب التقليدية وغير التقليدية، لم يسبب هذا المحور بخسارة إسرائيل للحرب وانهيار اقتصادها بل أعاد هذا المحور تعريف النصر في صراع طويل الأمد بين إسرائيل وحلفائها وبين محور المقاومة سينتهي هذا الصراع بحذف إسرائيل من خريطة غرب أسيا وطرد القوات الأمريكية من المنطقة لتحكم الشعوب نفسها بنفسها.

 

مدير ورئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى