مقالات

قراءة في ديوان على سلم البوح لبنت عمارة

دكتور أحمد فرحات … ناقد أكاديمي

تطل علينا شيماء عمارة بقارورة شعر معتق، يضوع منها عطر الكلمات كلما هززت حروفها انبعث منها وملأ أرجاء المكان عبقا شعريا فياضا. تستخدم عمارة تقنية الصدمة والمباغتة عندما تقول”مجنونة قيس” فجاءت عكس المعروف لدى القراء، فتقلب الدلالة المعنوية للتركيب، وتتشبث هي بقيس، وتجن به. فقد أعياه حبه، وغدا قلبها يلتمس قطرات الحنان.. تشعر للتو أنك أمام ظمأ عاطفي من أنثى تجأر بالعشق، وتلتنس طرفه عند الرجل.

تؤكد عمارة انقلاب الدلالة في أكثر من موطن في الديوان، فمنذ متى والقيد يقبل المعصم؟ القيد يدمي المعصم لا يقبله، لكنه عند الشاعرة قيد يقبل معصمها، فتقول: وغدوت لي قيدا يقبل معصمي، فياله من خيال لعوب!

توظف شيماء عمارة الحواس توظيفا فنيا يشي بمفدرتها على صنع تراسل للحواس، فما يسمع بشم، وما يرى بالعين يسمع بالأذن، وهي ظاهرة معروفة بتراسل الحواس فتقول في قصيدة تحمل عنوانا لافتا”اللحن الأسود” فاللحن من أبرز سماته أنه يسمع بالأذن فجعلته الشاعرة يرى بالعين عندما أضافت غليه اللون الأسود. وتقول: يا لحنا جاء ليعزفني .. فعزفتك يا لحنا أسود

ترسم عمارة صورة لمحبوب شاعر، عاشق، مجنون، غامض، ساحر، عارف، فتجمع خيوط السحر من جفونه، وعلى أهدابه تبوح بالغرام، وتذهب في تأويله بعيدا بعيدا حيث الصليب والعسجد والمئذنة وقارئ الكف، فهو أشبه بصورة أسطورية خارقة، نصف إنسان ونصف ملاك فتقول:

أحلامك تنبت أمنيتي

أنهار أنت لجندولي

والعسجد أنت بقافلتي

كصليب توج قداسي

كعمود يرفع مئذنتي

فبكفك أقرأ أقداري

أنتظر الحظ فهل يأتي؟

وفي قصيدة غجرية تصور الشاعر ذاتا متفردة رغم بشاعتها، وهو تصوير جريء ينم عن ذات متقدة، ملتهبة، تعشق الأنا الدنيا، وتحارب من أجلها في صورة تحمل مضامين فكرية ودلالية وشعورية فذة. فتقول:

أنا على الرغم من بشاعة الفكرة.. فإني واحدة.. متفردة

قطعة من قبس نوٍر… من جهنم… من كل الجنان

لا أتت بعدي نساء

ولا إناث من قبلي… يعرفن سر هذا الوشم القديم

يسكن العفريت في جوف المحيط.. إخالني.. جنية

قامت بين صفحات الزمان

.. فوق أروقة البلاد… في الأساطير

أنا برغم بشاعتي .. مازلت أهواني…

غجرية…. كلما أتنفس العشق المسجى بيننا مازلت أهواني ..

في كل لحظات الغياب وفي العذاب…

وفي آخر الأعوام.. لو يصادف حلمنا

وبرغم كل بشاعتي.. أنت هنا كما أنا

افتقدنا الرومانسية الصادقة، وانشغلنا بالواقعية فزادتنا نفورا، وعندما لجأنا إلى الرومانسية رأينا شواعر يضفن مزيدا من الحب والشغف فظهرت أجيال من الشواعر تجأر بالعشق وتسعدنا بالبوح. وشيماء عمارة من الشواعر اللائي أمتعننا بالبوح الأنثوي الجريء والجديد.

د. أحمد فرحات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى